إضاءات من سيرة العم علي بن راشد بن محمد رحمه الله.
ولد عام 1340 هـ، بالمحمدي في الدلم، وكان أصغر إخوته وأخواته.
نشأ في كنف أبويه بمزرعة والده في الأرض التي كانت تسمى (الشمالية) في المحمدي بالدلم، وقد أرضعته أخته الكبرى هيا مع بنت من بناتها، فكان خالاً لبعض عائلة أبا الحسن.
كما أنه نشأ وإخوته في بيت واحد، مع والدهم الجد راشد، ثم استقل كل من أخويه إبراهيم ومحمد فاشتريا مزارع لهما.
وفي عام 1383 تم تقسيم مزرعة والدهم راشد بين كل من ناصر ومحمد وسعد وعلي.
كان العم علي ووالده وإخوانه أصحاب فضل ودين، ولا أدل على ذلك من أن الشيخ عبدالعزيز بن باز كان يمر بهم كل يوم يتناول القهوة معهم ويباسطهم الحديث. حين كان قاضيا بالدلم، وحين صدر قرار الملك عبدالعزيز بنقل الشيخ ابن باز للرياض عام 1371هـ جاء وودع العم علي وإخوانه، بل حتى ودع نساءهم. وقد حزن أهل الدلم لفراقه لهم حينئذ.
عمل العم علي في الزراعة منذ طفولته، كما هو حال أهل بلده.
وتزوج مرتين، حيث توفيت زوجته الأولى رحمها الله إثر مرض ألم بها، ثم تزوج بعدها.
وكان ممن رحلوا لطلب الرزق، حيث قدم للرياض بعد وفاة زوجته الأولى وقبل زواجه الثاني، من أجل تحصيل تكلفة الزواج الثاني، وعمل في البناء مدة ثم رجع.
كما عمل مدة طويلة مؤذناً لمسجد مزرعته إلى وفاته رحمه الله.
** من أهم صفاته:
كان عظيم البر بوالديه وإخوته، قائما بخدمته، سامعاً لهم مطيعاً، وكان يَعُدُّ أخاه ناصر بمثابة الأب الثاني له.
كما امتاز بالحلم والهدوء، لا يكاد يغضب من أحد، وكان مبتسماً طلق المحيا دوما، يلاعب الصغير والكبير، اشتهر بالعطف والحنان على أبنائه وبناته وأحفاده.
ولم يكن كثير الكلام، وإنما كان سمته الصمت والاستماع غالباً، عفيف اللسان، لا يتكلم إلا لحاجة، ولا يحب أن يذكر أحداً بسوء، ولا يحب أن يسمع عن أحد سوءاً، بل يغضب من الوشاة.
وكان كريما مضيافا، مجلسه مفتوح لكل ضيف، يفرح بالضيوف، بل لا يكاد يخلو مجلسه كل يوم من ضيف، نهاراً أو ليلاً.
كان وصولاً لرحمه، كثير الزيارة لإخوته وأخواته وجيرانه، بل حتى لأبنائه وبناته، وكان يزور صباح كل يوم أخاه ناصر، الذي يجاوره في المزرعة، كما أنه سخر مزرعته لخدمة أسرته فكان يتم فيها عقد اجتماعات الأسرة بالأعياد منذ عام ١٤١٣ وحتى ١٤١٨، ولم يكن يأخذ مقابلاً على ذلك، بل إنه هو الذي عرض مزرعته لاجتماعات أسرته.
أيضا: كان العم علي حريصاً على تربية أبنائه التربية الصالحة، وحثهم على التدين ومواصلة الدراسة والعلم، ويكافئهم على ذلك، ويتابع أحوالهم في المدرسة، وقد أثمر حرصه على ذلك ثمرا يانعا، فكان أبناؤه امتداداً له في الدين والفضل، وامتد الثمر اليانع إلى أحفاده، فكان منهم القضاة وأساتذة الجامعات وطلبة العلم. ولله الحمد والمنة.
ومن حبه للعلم أنه كان كثيراً ما يحضر المحاضرات الدينية التي تلقى بجوامع الدلم بعد صلاة المغرب.
وكان زاهدا في الدنيا وأموالها لم يُعِرْها اهتماما، وقد عاش في السنوات الأخيرة من حياته في محراب المسجد، وكان كثير الذكر لله تعالى والاستغفار.
كما كان قليل النوم ليلاً، مكثراً من التهجد والدعاء.
وكان ممن اعتاد التبكير إلى صلاة الجمعة، حيث كان يذهب منذ الساعة الثامنة والنصف أو التاسعة للمسجد، ويحرص جداً على ارتداء (البشت) للجمعة، وكذلك للعيدين.
وكان حريصاً على نظافة بدنه وملبسه، يحب السواك في كل حين.
ولم يكن يُذكر اسمه عند أحد سواء في حياته أو بعد وفاته إلا ترحم عليه ودعا له وأثنى على خلقه وهدوئه وحلمه.
ومن المواقف التي تدل على كرمه وصلته لرحمه وحسن جيرته: أنه قبل وصول الكهرباء إلى المزارع، قام أحد جيرانه وهو العم محمد النمشان بشراء مولد كهربائي، وزار أهل المزارع لتوصيل الكهرباء لمن يرغب الاشتراك، بمقابل مادي، وفي يوم جمعة زار النمشان مزارع العم علي وإخوته، وكان إخوته قد ذهبوا للصلاة، فاستقبله العم علي وذكر له الاشتراك وقدره خمسون ريالا عن كل بيت، فقام العم علي وسلمه اشتراك بيوت إخوانه، وخمسين ريالا عن جيرانهم آل سويلم، وقال له: هؤلاء جيراننا وأنسابنا وظروفهم أنا أعرفها، ثم قال النمشان: نحتاج أعواد لخشب من شجر الأثل لمد الأسلاك عليها، وكان الخشب في ذلك الوقت ثمينا جدا، فقال له العم علي: هناك خشب خلف بيتي، خذه في سيارة وانقله عني وإخوتي وجيراني، ولم يأخذ مقابلاً على الخشب.
وموقف آخر: أنه كان كثيرا ما يمكِّن جيرانه من ري مزارعهم بماء البئر الخاص بمزرعته، ولا يجد في نفسه ضيقاً من ذلك.
وذات مرة: جاء إليه شخص يخبره أن جيرانه اعتدوا على جزء من أرض مزرعته، فغضب من الواشي، وقال له بكل حزم: هؤلاء جيراني، وأهل وُدِّي، ولو أخذوا كل مزرعتي لم أردهم، وترك الواشي وذهب للمسجد.
وأيضاً: حين جاء بعض أهل الإحسان لتسوير مقبرة عميرة التاريخية الواقعة داخل مزرعته من الجهة الشمالية، بعد اندراس معالمها وحدودها، واستأذنوه في ذلك أذن لهم، بل تبرع لهم بجزء من مزرعته ليدخلوه ضمن المقبرة، ولم يأخذ منهم مقابلا على ذلك، بل إنه هو من بادر بهذا التبرع من غير طلب منهم.
ومن المواقف الراسخة في ذلك أيضاً: أن يوم عودته من العمل بالرياض كان مشهوداً من أهله وجيرانه، حيث قدم ومعه هدايا كثيرة متنوعة للصغار والكبار، اشتراها من الرياض، ووضعها في لفافة كبيرة جداً، وحين وصل، فتح اللفافة ونادى أبناءه وبناته وإخوته وجيرانه وأبناءهم ليأخذوا من هذه الهدايا ما شاؤوا، فاجتمع الكبير والصغير منهم عنده، كل يأخذ ما أحب، من غير مقابل.
أصيب بمرض السرطان في آخر حياته، وأدخل المستشفى مدة تزيد على الشهر ونصف، وكان مستسلما لقضاء الله وقدره، راضيا بما كتبه عليه، كان محياه طيبا و كان مبتسما لمن يزوره، رغم آلام المرض، يرتدي ثيابا نظيفة، والسواك لا يفارقه، كثير الذكر لله تعالى وتسبيحه.
كان كثير السؤال عن أبنائه وبناته وهو في المستشفى، يفرح كثيرا برؤيتهم، وكأنه يحس أنه سيرحل عنهم قريباً، وقد يضمهم لصدره أحياناً إذا جاؤوا يزورونه، وكأنه يودعهم.
توفي بعد معاناة مع المرض في صفر عام ١٤١٨هـ، عن عمر 78 عاماً، وكانت جنازته مشهودة في جامع الملك عبدالعزيز وسط الدلم، حيث امتلأ الجامع في صلاة العصر، وبعد الصلاة عليه تبادر الرجال لحمل الجنازة على أكتافهم من الجامع إلى المقبرة، ولم توضع بالسيارة كالمعتاد، رغم أن المسافة ليست قليلة، وحزن عليه الكبير والصغير.
ومن القصص التي تسطر في ذلك: أن العم علي زار أخاه سعداً في عيد الأضحى عام 1417هـ، قبل وفاة علي بنحو شهرين، وكان العم سعد مقعداً وأصابه مرض النسيان، بينما علي لازال يمشي، فلما راى اخاه سعداً على تلك الحال دمعت عيناه وقال: (الله لا يطرحنا مثل ما طحت). فاستجاب الله دعوته، وتوفي علي في شهر صفر عام 1418هـ.
وفي ذلك اللقاء الذي كان آخر لقاء بينهما قال علي وهو يودع أخاه سعد: (إن شاء الله نلتقي في الجنة). وكانت هذه الكلمات مؤثرةً في الحضور.
وقد رثاه حفيده الشيخ محمد بن عبدالعزيز بن علي بقصيدة عَنْوَن لها بـ (حروف الرثاء).
له من الأبناء ١٣ هم: (فهد، وراشد، وعبدالعزيز، وإبراهيم، ومحمد، وعبدالله، وعبدالرحمن، ومنصور، وخالد، وعادل، وبندر، وعبدالمجيد، وناصر)، وله من البنات ٦ .
رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته. وحفظ أبناءه وبناته وأحفاده أجمعين.
جمع وإعداد: د. عادل بن عبدالعزيز بن علي الجليفي.
وهاهي قصيدة (حروف الرثاء) لحفيده: الشيخ محمد بن عبدالعزيز بن علي:
حروف الرثاء أتت للأمامْ *** وجاءت بفوجٍ كسرب الحمامْْ
وقالت بلفظٍ قويٍّ رثاءْ *** رثاءً جميلاً بأحلى كلامْ
فسالت دموعي بوجهٍ حزينْ *** فصارت جفوني بها لاتنامْ
فقد صاح قلبي لفقد الهشامْ *** وقد سال دمعي كقطر الغمامْ
وقد سال حبري بحرفٍ طويلْ *** وقد صار حرفي رثاءً لزام
لقد فارق السمع مني كلامْ *** كلاماً جميلاً من الخير دامْ
أَذاناً وذكراً لربٍّ كريمْ *** وجُوداً وخيراً مضى بالوئامْ
فجدِّي عليٌّ عليٌّ شريف *** به الصبر و الحلم الإعتصامْ
فكم ليلةٍ قامها للإلهْ *** فصلى لربي بجنحِ الظلامْ
بأحلى المعيّة يبغي الجنانْ *** بخيرٍ كثيرٍ يريدُ المرامْ
وكفَّاه دوماً لتعطي العطاءْ *** سخيًّا نديًّا يفوق الشهامْ
فسيما التواضعَ في وجههِ *** وزهدٌ عظيمٌ بهِ كالسنامْ
يؤدي الحقوقَ إلى أهلها *** أداءً جميلاً بكلِّ اهتمامْ
وإن جاء شخصٌ بدعوى الغشامْ *** تنازلَ عن حقهِ بالتمامْ
ففي نفسه البعدُ عن ذي الفناءْ *** فلم ينتزعها لدنيا الحُطامْ
فياليت شعري لهذي الخِلالْ *** أراها خِلالاً بنفسي عِظامْ
ألا يا أبافهدِ كم تستريحْ *** بصدرِ المجالسِ دوماً أمامْ
تقودُ الجموعَ-جموعَ البنينْ-*** بحُبٍّ ولطفٍ ، بلى واحترامْ
إلى الخيرِ و البرِّ والاجتماع *** وتُفنِي الفِراقَ بحدِّ السِّهامْ
فدامَ التَّآخِي بهمْ لربِّ كريمْ *** ليمحو الخطايا كقطعِ الحُسامْ
فسار الحُسامُ بجسمٍ نحيلْ *** فأهوىْ به في فراشِ الفطَامْ
أزالَ الخطايا ، فنامَ الهشامْ *** فلم يستطع بل وحتى الكلامْ
فلله دركَ حين الرحيلْ *** توحِّدُ ربي بهذا المقامْ
وحين نظرت لتلك الخِلال *** لقيتَ الإلهَ بأحلى ابتسامْ
فقدْ قدرَ اللهُ موتَ الأنامْ *** ولايبقَ إلا الإلهُ السلامُ
وقد آمنَ القلبُ أن القضاءْ ***لربِّ العبادِ لحقٌّ مُقامْ
فيا ربِّ يسر عليه الحسابْ ***وأنعم عليهِ بفضلِ الكِرامْ
وأحسن إليه بحُورٍ عِيان *** بجناتِ خلدٍ لربِّ الأنامْ
وأجزِلْ عطاءكَ للمحسنينْ *** ليبقوا دواماً بدون انعِدامْ
أياربِّ واحشره يومَ القيامْ *** مع الأنبياءِ بأسما انضِمامْ
وصلِّ وسلم على المصطفىْ *** عِداد الخلائقِ أيضاً دوامْ
فموتُ النبيٍّ لخطبٌ جليلْ *** على العالمينَ أشدُّ اصطدامْ
أبا فهدِ هذا تمامُ الرثاءْ *** سيبقى دواماً وفي كلِّ عامْ
ختاماً أقول: سلامٌ عليكْ *** من القلبِ أُهدِيْ إليكَ السلامْ
اقرا مزيدإضاءات من سيرة العم إبراهيم بن سعد بن راشد رحمة الله
ولد بالمحمدي في الدلم عام ١٣٥٥.
وهو أكبر إخوته.
نشأ في كنف والديه بالبيت الواقع بمزرعة جده راشد في المحمدي في أرض كانت تعرف باسم (الشمالية)، حيث كان والده وأعمامه وجده يسكنون جميعاً بيتاً واحداً قبل تقسيم المزرعة.
درس الابتدائية بالدلم ولا زالت شهادته الابتدائية محفوظة حتى الآن.
لما انتقل ابن عمه زيد بن ناصر بن راشد للرياض تولى إمامة مسجد الأسرة الواقع داخل مزارعهم من بعده، وكان شجي الصوت في التلاوة.
عمل في الزراعة منذ طفولته، كبقية أبناء جيله من أهل الدلم، وكان الساعد الأيمن لوالده في المزرعة.
تزوج مرتين.
وفي أواخر العشرينات من عمره عرض عليه أحد أهل الدلم وهو ابن محيسن ترك المزارع وتعبها، والعمل معه عند الأمير عبدالله بن عبدالرحمن بن فيصل آل سعود، أخ الملك عبدالعزيز، فانتقل عند الأمير بالرياض (خوي)، حيث كان الأمير يحب أن يكون أخوياءه وجلساءه من أهل الدلم؛ لما عرف عنهم من شهامة وصدق وإخلاص.
وكان سكن (الاخويا) في جهة مخصصة داخل قصر الأمير.
ثم بعد مدة انتقل إلى العم إبراهيم بالرياض أخوه راشد، لإكمال دراسته، إلى أن تخرج راشد وتوظف حيث استقل بسكن عن أخيه إبراهيم.
كما كان من أعمال العم إبراهيم خلال هذه المدة: استقبال السيارة التي كانت لأخيه محمد، وهي من نوع (فورد) ويسميها العامة: (الهاف) حيث كان محمد هو المشرف على مزرعة والدهم سعد حينئذ (بعد قسمة مزرعة الجد راشد)، فكان محمد يحملها يوميا من محصول المزرعة أو المزارع الأخرى بالمحمدي، ثم تتجه للرياض الساعة السادسة والنصف صباحا بعد أن يفطر سائقها، وكان أهل البلد يسمون هذه الرحلة للرياض (المطراش)، وكانت أم إبراهيم تقوم بتهيئة إفطار السائق قبل أن ينطلق، ومسافة الطريق تستغرق أربع ساعات، ولما يصل للرياض يذهب لراشد للراحة والغداء، حيث كان متكفلا بإعداده للسائق.
وبعد العصر يذهب إبراهيم بالسيارة للسوق ويبيع الحمولة ويحاسب، ويأخذ وراشد نصيبهما من المال، وفق الاتفاق بينهما وبين أخيهما محمد، والباقي يضعه في ظرف ويسلمه للسائق، الذي يرجع للدلم حيث يصلها بعد صلاة العشاء، وتكون أم إبراهيم هيأت له وجبة العشاء.
واستمر الحال هذا سنوات إلى أن انتقل محمد للرياض وعمل في العقار والمقاولات.
ابتنى العم إبراهيم منزلا وانتقل إليه خارج مقر سكن الأخويا في قصر الأمير.
كان الأمير عبدالله يحب العم إبراهيم كثيرا ويمازحه دوما، ويأخذه معه في أكثر رحلاته وزياراته. وجعله في إدارة الشؤون المالية بقصره.
كما خوله الأمير بمتابعة شؤون بعض أبنائه.
حين توفي الأمير عبدالله عام ١٣٩٧ طلب أبناء وبنات الأمير من العم إبراهيم الاستمرار معهم، لثقتهم فيه وأمانته، فانتقل لابنته الأميرة جوزاء، وكان محل ثقتها، وجعلته مدير الشؤون المالية بالقصر، ومن قوة ثقتها به أنها كانت تطلب منه ومن زوجته مرافقتها في بعض رحلاتها، للعمرة أو لغيرها.
وقد أوصت إخوتها وأبناءها في آخر حياتها بأن يبقوا إبراهيم عندهم ولا يفرطوا فيه، فهو أمين.
وبعد وفاتها عمل في تجارة المواد الغذائية بالشراكة مع بعض إخوة الأميرة جوزاء، بناء على وصيتها.
كما توسع في مجالات التجارة الأخرى.
** من أبرز صفاته:
كان حليما لا يكاد يغضب من أحد أيا كان.
لا تراه إلا مبتسماً طلق المحيا.
وكان يحب المداعبة كثيرا للصغير والكبير.
عفيف اللسان، لا يحب سماع سوء عن الآخرين.
أحبه الكبير والصغير، حتى العمال كانوا يحبونه كثيرا.
وكان كريما جوادا، يعطي عطاء من لا يخشى الفقر.
بابه مفتوح لكل أحد، من أقاربه وغيرهم. فكان بيته هو البيت الجامع لهم، بل قد يبيت عنده بعض أقاربه أياماً، خصوصاً في الإجازات، ولا يجدون منه إلا كل حب ورحابة وكرم.
كان مضيافاً، بابه مفتوح يوميا بعد المغرب، وقهوته جاهزة لكل من يأتي.
وقد دأب على جمع إخوته وأخواته وأسرهم في كل عيد بمنزله. فكان بابه مفتوحا طيلة أيام العيد.
كما دأب على وضع مناسبة سنوية – في استراحته بالسويدي أو يستأجر استراحة – للعرسان من الأسرة، يدعو لها أفراد أسرته ويحرص على العرسان الجدد وأهلهم رجالا ونساء في الحضور، ويهاتف رجالهم بنفسه.
ولم يكن يقبل بأن يشاركه أحد في التكلفة، بل يقوم بها بماله مهما كثرت.
كان ماداً يد العون لكل من احتاج أو طلب العون منه، من أقاربه أو غيرهم، يعطيهم الكثير، ويسترد منهم ما تيسر. ولو بعد سنوات. وكان حريصا على تدوين كل ذلك اتباعا لحكم الله تعالى في توثيق الديون.
وحين توفي وجد ورثته في أوراقه أشخاصا كثراً كان يطلبهم ديونا مؤجلة، بعضها منذ سنوات طويلة، بل بعضهم من العمال الذين كانت تربطه بهم علاقة يوماً من الأيام. وهذا شاهد على كرمه العظيم، وحبه لمساعدة الآخرين، حتى من خارج البلد.
كان يزور والدته كثيرا، ويعطيها عطاء وفيرا.
وقد اعتاد تقديم مبلغ نقدي (كسوة العيد) لأخواته وأحيانا لبعض بناتهن.
كما كان معتاداً على صدقة السر، ومن ذلك:
أنه بنى رحمه الله عدة مساجد في داخل المملكة وخارجها، ولم يكن يخبر أحدا بذلك إلا لمن له اختصاص.
كما كان يدفع -سرا- إلى ابن إحدى أخواته مبالغ مالية بين الفينة والأخرى ليوزعها على المشاريع الخيرية أو المحتاجين.
وكان يُحضر معه كل أسبوعين أو ثلاثة لمنزل أخته تلك ذبيحة أو ذبيحتين أو ربع حاشي ويكلف ابنها بشراء أكياس أرز صغيرة وتوزيعها مع اللحم على الأسر الفقيرة والبيوت المحتاجة، ويطلب منه أن لا يخبر أحدا بذلك.
مرض في آخر حياته بصديد في الرأتين، وأدخل المستشفى، فأجريت له عملية سحب للصديد، وقرروا عملية أخرى لإزالة تقرحات بالمعدة، لكن قبل العملية بيوم ونصف بدأت التقرحات بالانفتاق، ونقل للعناية المركزة، واشتدت حالة انفتاق التقرحات، وأصيب بنزيف داخلي شديد، حاولوا إسعافه وإنعاش القلب، لكن توفاه الله.تعالى. وذلك في شهر ذي القعدة عام ١٤٣٢عن عمر ٧٧ عاماً.
وقد كان مبتسما ورافعا السبابة حين وفاته وتغسيله.
كانت جنازته مشهودة، وبكى عليه الصغير والكبير. حتى العمال الذين يعملون عنده كانوا يبكون عليه وأطفالهم، بل أصر أحدهم بشدة أن يشارك في تغسيله وتكفينه.
رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته.
جمع وإعداد: د. عادل بن عبدالعزيز بن علي الجليفي.
اقرا مزيد
إضاءات من سيرة العم عبدالله بن عيسى بن محمد رحمه الله
ولد عام ١٣٣٨ في المحمدي بالدلم، وهو ثاني إخوته الذكور.
تربى في بيت والده في المزرعة التي كانت تُسمى (الشمالية)، حيث كان والده عيسى وعماه راشد وعبدالعزيز زرعوها وعملوا بها، وهي في الأصل لورثة الشيخ حمد بن عتيق، ثم اشترت معظمَها أسرةُ الجليفي منهم فيما بعد.
عمل مزارعاً مع والده، كما عمل بالمزارعة في عدة مزارع لأقاربه في المحمدي طلباً للرزق.
بعد وفاة والده عيسى عام ١٣٦٧ وبيع مزرعته اشترى العم عبدالله له منزلاً في جنوب المحمدي بالدلم (من الطين، ولا زال قائماً إلى اليوم)، واستمر في العمل بالمزارعة في مزارع عدد من بني عمه في أرض الشمالية بالمحمدي، وخصوصاً ناصر بن راشد بن محمد، وأخوه علي بن راشد بن محمد.
امتاز بالهدوء والحلم ولين الجانب.
كما كان مشهوراً بكرمه، مضيافاً.
وكان والده العم عيسى إماماً يصلي بمسجد أسرة الجليفي الموجود داخل مزارعهم، وذلك في فترة الستينات من القرن الماضي، واستمر حتى خلفه حفيد أخيه: عبدالعزيز بن محمد بن راشد.
باع العم عبدالله بن عيسى منزله (الطيني) الذي بالمحمدي، حيث اشتراه ابن عمه عبدالعزيز بن إبراهيم بن راشد بن محمد. وانتقل بعده لمنزل آخر بالدلم.
ثم انتقل في أواخر عمره إلى الخرج (السيح) وعاش مع ابنه عيسى.
توفي عام ١٤١٧ عن عمر ٧٩ عاماً.
له من الأبناء: عيسى (توفي عام ١٤٢٣)، ومن البنات: اثنتان (متوفيتان).
رحمهم الله جميعا وأسكنهم فسيح جناته.
جمع وإعداد: د. عادل بن عبدالعزيز بن علي الجليفي.
اقرا مزيد
إضاءات من سيرة العم عبدالعزيز بن راشد بن عبدالله رحمه الله
ولد عام ١٣٥٣ في المحمدي بالدلم، وترتيبه الرابع بين أخوته،
نشأ ببيت والده الواقع بمزرعته في حي المحمدي، وتحديدا في مكان منه يسمى (العاقولة).
عمل في الزراعة منذ وقت مبكر من عمره، ولازم والده منذ طفولته، كما كان ملازماً لأخيه ناصر كثيراً ورافقه في عدد من رحلاته وأعماله الخاصة، وتأثر به.
تزوج العم عبدالعزيز بن راشد ـ رحمه الله ـ في سن مبكرة.
وعمل في وزارة المعارف، واضطر بسبب ظروف عمله للانتقال من (العاقولة) إلى شمال المحمدي والذي كان يسمى بـ(حي عوجانة)، واستقر هناك.
كان يقوم برفع الاذان في مسجد الحي تطوعاً منه ، ملازماً للجماعة ، حريصاً على التواصل معهم خاصةً في اجتماعاتهم بعد صلاة التراويح في مواسم رمضان.
كان يعرف بطيب الخلق والتسامح والابتسامة التي لا تفارق محياه ، إضافة إلى كرمه وحبه للضيوف. كما كان كثير الصمت والاستماع للآخرين ، لا يحب كثرة الكلام.
انتقل إلى مدينة الرياض لظروف العلاج من مرض عضال كان يعاني منه في عام ١٤١٩هـ ، إلا أنه توفي هناك بسبب ذلك المرض في عام ١٤٢٣هـ، عن عمر ٧٠ عاماً، وصلي عليه في (الرياض) وشيع جثمانه هناك ودفن في (مقبرة المنصورة).
له من الأبناء ثلاثة: راشد، وسعود، وخالد، ومن البنات ٥.
رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.
اقرا مزيدإضاءات من سيرة العم عبدالله بن ناصر بن راشد رحمه الله
ولد عام ١٣٤٥ بالمحمدي في الدلم.
وهو أكبر إخوته من زوجة والده الأولى.
تربى ببيت والده بالمحمدي، حيث كان جده ووالده وأعمامه يسكنون بيتاً واحداً، ومزرعتهم واحدة، قبل أن يقتسموها بعد وفاة والدهم راشد بن محمد.
عمل مع والده في الزراعة في وقت مبكر من عمره.
ثم عمل في البناء وكان أستاذا فيه.
بعدها انتقل إلى عرقة غرب الرياض، وعمل وكيلا على مزارع عبدالعزيز بن حلوان، ثم عمل بعد ذلك بوزارة الداخلية، ثم انتقل للعمل وكيلاً على مزارع الأمير عبدالله بن عبدالرحمن بن فيصل، أخ الملك عبدالعزيز، وكانت مزارع الأمير بحي سلام بالرياض.
وبقي عنده مدة ليست طويلة.
ثم انتقل للخرج وعمل بإدارة الأحوال المدنية.
واشترى مزرعة عمه سعد بن راشد بالمحمدي في بداية التسعينات من القرن الماضي.
امتاز بالهدوء ولين الجانب. وكان محبوبا من الجميع متسامحا حسن المعشر.
توفي عام ١٣٩٨ عن عمر ٥٣ سنة إثر مرض ألم به نتج عنه نوبة قلبية.
له ٥ أبناء: (عبدالرحمن، وعبدالعزيز، وفواز، ومحمد، وناصر)، و ٣ بنات.
رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.
إضاءات من سيرة العم عبدالعزيز بن إبراهيم بن راشد رحمه الله
ولد في حدود عام 1354هـ بالدلم.
نشأ ببيت والده، وكان ملازما له كثيرا، وعمل معه في الزراعة منذ طفولته، حتى وفاة والده عام 1384 هـ. كما عمل في مزارع أخرى طلباً للرزق.
ثم التحق بفرع وزارة الحج والأوقاف بالخرج، وبعد أن تم افتتاح فرع للوزارة بالدلم انتقل إليه، حتى أحيل للتقاعد عام 1423هـ.
قام بإحياء نصيبه من مزرعة والده وعمل فيه، ثم اشترى مزرعة أكبر على طريق العين عام 1407هـ.
من أهم صفاته:
امتاز بغيرته وحبه لأسرته وحميته الشديدة نحوها، فلا يقبل أن يُساء إلى أسرته بحال من الأحوال.
وكان حريصاً ومهتماً بالسؤال عن أصول الأسرة وجذور نسبها القديم، وديارها العتيقة التي رحلت عنها منذ قرون، فيسأل كل من رأى أن لديه علماً في ذلك.
كما امتاز بشجاعته البطولية، وهو في ذلك كوالده، وقد يواجه الرجلين والثلاثة دون أن يتراجع، خاصة من يتعدى على ملكه ومزرعته، ويشهد له بذلك من عرفه.
كما كان يكره طول المكث في المجالس والحديث في الناس والغيبة، وينفر من المجلس الذي تذكر فيه الغيبة، ويُسْكِت من يتكلم في عرض أحد.
ومن صفاته: البساطة في حياته والتواضع في ملبسه ومظهره.
كما كان حريصاً غاية الحرص على صلة رحمه وزيارة أقاربه رجالا ونساء، فكان كثير الزيارة لابن عمه: محمد بن عبدالعزيز بن محمد (الفرم)، وكثيرا ما كانا يتشاوران في شؤونهما. كما كان يزور ابن عمه ناصر بن راشد بن عبدالله، وهو صاحب حظوة عنده، وكان يأتي لمزرعة ناصر مشيا على قدميه رغم بعد المسافة إلى حد ما. وكذلك كان كثير الزيارة لابني عمه عبدالله بن عبدالعزيز بن محمد، وعبدالله بن عيسى بن محمد.
بل كان حريصا على زيارة أخواته وبنات أعمامه وسؤال أزواجهن عن أحوالهن، بل ومساعدتهن بماله إن كن بحاجة لذلك.
وأيضاً: كان كثير العناية والرعاية لابنيه إبراهيم وعلي، وكثيرا ما يشاورهما في أموره منذ أن كانا صغيرين.
وفاته: أصيب بمرض في الأعصاب افقده قوته وذلك قبل وفاته بثمان سنوات تقريبآ، ثم أدخل المستشفى عام 1428هـ، في شهر ذي القعدة
وتوفي عام 1429 في شهر ربيع الأول، عن عمر يقارب 75 عاماً.
له من الأبناء: إبراهيم، وعلي، و 6 من البنات.
رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.
جمع وإعداد: د. عادل بن عبدالعزيز بن علي الجليفي.
اقرا مزيدإضاءات من سيرة العم محمد بن إبراهيم بن راشد رحمه الله
ولد عام 1338هـ، بالمحمدي في الدلم، وهو أكبر إخوته، نشأ في بيت والده الذي كان يسكن مع جده راشد بمزرعته في المحمدي التي كانت تُعرف باسم (الشمالية).
ثم انتقل مع والده إلى مزرعته الجديدة بالدلم شرق حي السعيدان، حين اشتراها والده وانتقل إليها.
بقي يعمل مع والده في الزراعة كما عمل في مزارع أخرى في الهياثم والرياض طالبا للرزق.
ثم استقل بمزرعة له غرب مزرعة والده.
كان حين رحل للعمل في الرياض يجلب الحلوى لأبنائه الذين كانوا حينئذ بالمزرعة بالدلم، وكانوا شغوفين كثيرا بتلك الحلوى التي يأتي بها من الرياض، وهي عبارة عن قوالب السكر الموجودة حاليا في الأسواق.
من ذكرياته التي رواها لأبنائه والتي تبين مقدار ما كانوا فيه من جهد وتعب من أجل كسب لقمة العيش: أنه كان يعمل بالزراعة أحيانا في الليل، وفي إحدى الليالي وهو راجع إلى منزله كان حاملا البرسيم بعد حصده من إحدى المزارع، وما شعر إلا والذئب يمشي خلفة ويعوي، يريد افتراسه، ولم يجد مكاناً يأوي إليه إلا مسجد قريب لأسرة الذياب، فدخل فيه، حتى ذهب الذئب.
امتاز بالحلم والأناة، ولين الجانب، والإيثار، وكان حريصا على بر والديه وصلة قرابته وزيارتهم، من إخوته وأخواته وأبناء عمه.
ومن القصص التي تدل على حلمه وإيثاره لغيره على نفسه: أنه كان له جار لمزرعته، وكانا شزيكين في بئر واحد ومكينة واحدة، والبئر والمكينة في أرض العم محمد، وكانا اتفقا على أن لكل منهما دورة في المكينة يسقي بها مزرعته، ثم يأتي دور الآخر، وذات يوم حصل اختلاف بينهما في السقي من دورة الماء تلك، فكل منهما يقول هي لي، واشتد الاختلاف بينهما، وتعالت الأصوات، فسمعت زوجة العم محمد بذلك، وقدمت محاولة تهدئة الأمر، وطلبت من زوجها أن يدخل المنزل لتهدأ النفوس، ووعدت الجار بإرسال الماء لمزرعته.
وبعد فجر اليوم التالي قام العم بتشغيل المكينه وأرسل الماء إلى جاره مقدما له على نفسه، بل قال لابنه الأكبر عبدالرحمن: اذهب لجارنا فلاناً وادعه للقهوة والإفطار معنا، فجاء الجار وتقهوى وأفطر مع العم، وانتهى الخلاف كأن لم يكن.
وأيضا من مواقفه التي تدل على بره بأبيه إبراهيم رحمهما الله:
أن والده أمره أن يتابع سير الماء في المزرعة بحيث إذا امتلأ شِرب من أشراب المزرعة بالماء فإنه يعدل الماء إلى الشِّرب التالي. لكن دات يوم غفل العم محمد عن ذلك، حتى امتلأ الشرب وفاض، فعاتبه والده بل أخذ كومة من الطين فضربه بها، فدنا منه ابنه وانحنى له واعطاه ظهره وقال: زد يا والدي حتى ترضى عني، فرضي عنه والده متأثرا بهذا الموقف البار والنبيل من ابنه.
توفي رحمه الله عام 1383 هـ، قبل وفاة والده بعام، وكان سبب وفاته: أنه كان في مزرعته يمشي حافياً، فجرحته زجاجة، وأدت إلى قطع في عروق رجله اليمنى، وكان جرحاً عميقاً، سقط بسببه على الأرض، وتم إسعافه ونقله للمستشفى، فتلاشا الجرح قليلاً ولكنة لم يبرأ تماماً، وبعده بمدة ليست طويلة وبينما كان في زيارة إلى أهل زوجته كان نائما على سرير من الخشب مغطى بليف، فأحس بلدغة عقرب في فخذه الأيمن ولم يبد لذلك اهتماما بادئ الأمر، حتى تورمت القدم والساق والفخذ، وانفتق جرح قدمه الذي كان أصيب به سابقاً، مما تسبب في نزيف شديد وآلام، وتسمم جسمه بسبب اللدغة، وتم نقله لمستشفى الشميسي بالرياض، جيث توفي هناك بعد مدة يسيرة من وصوله. وكان عمره حينئذ: 45 عاماً.
له 5 أبناء هم: عبدالرحمن (توفي عام ١٤٣٨، وكان مديراً لفرع شركة الكهرباء بمحافظة الدلم)، وسعد (رئس رقباء متقاعد)، وناصر (معلم متقاعد)، والشيخ فهد (عميد الأسرة، وكان مساعداً لرئس كتابة العدل بالخرج)، والدكتور زيد (مدير التعليم بمحافظة الخرج سابقا، وعضو هيئة التدريس بجامعة الأمير سطام بمحافظة الخرج، ومستشار وكيل الجامعة)، كما أن له 3 بنات.
رحمهم الله وأسكنهم فسيح جناته.
جمع وإعداد: د. عادل بن عبدالعزيز بن علي الجليفي.
إضاءات من سيرة العم عبدالرحمن بن عبدالعزيز بن محمد بن راشد رحمه الله
ولد عام ١٣٣٥ بالدلم. وهو ثاني إخوته الذكور ترتيباًً، والثالث بين البنين والبنات.
تربى ببيت والده بشمال المحمدي في الدلم، وعمل بمزرعة والده هناك مع أخيه الأكبر محمد (الفرم)، ومع شظف المعيشة انتقل للرياض وعمل عند الأمير منصور بن عبدالعزيز وزير الدفاع حينئذ، وكان ذلك في عام ١٣٦٥ وقت زيارة الملك عبدالعزيز لمصر، وكان مسؤولا عن مزارع الأمير منصور، ثم عمل عند الأمير بندر بن عبدالعزيز مدة ليست طويلة، ثم عمل (خوي) عند الأمير عبدالعزيز بن مساعد بن جلوي أمير حائل، حيث كان الأمير عبدالعزيز يختار أخوياءه وجلساءه من الدلم، فعمل عنده مع ابني عمه عبدالله وناصر ابني راشد بن عبدالله. وبقوا هناك بحائل سنوات عدة، ثم عادوا للدلم.
بعدها توجه للرياض مرة أخرى وعمل مشرفاً على مزارع الأمير محمد بن عبدالرحمن بن فيصل بن تركي، أخ الملك عبدالعزيز. وكان مقر مزرعته في عتيقة. وبعد وفاة الأمير محمد عام ١٣٦٣ عاد العم عبدالرحمن لمزرعته الواقعة شمال المحمدي واستقر بها حتى عام ١٣٩٥، ثم انتقل للعمل عند الأمير عبدالله بن عبدالرحمن بن فيصل أخ الملك عبدالعزيز حتى وفاة الأمير عام ١٣٩٧.
وعمله عند هذا العدد من سمو الأمراء دليل على مكانته عندهم، وثقتهم فيه.
استقر العم عبدالرحمن بعد ذلك بالرياض بين أبنائه.
توفي عام ١٤١٩ عن عمر ٨٤ عاماً.
له ٨ أبناء هم: فهد، وسعد (توفي عام ١٤٣٣)، وراشد، وصالح، وإبراهيم، ومحمد، وعبدالله، ومنصور، وله ٣ بنات.
رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.
اقرا مزيدإضاءات من سيرة العم ناصر بن راشد بن محمد رحمه الله
ولد في حدود عام ١٣١٠ للهجرة.
وهو ثاني إخوته الذكور.
تربي في بيت والده في المحمدي بالدلم.
وشهد في طفولته ضم الملك عبدالعزيز للدلم، وحربه مع عبدالعزيز بن رشيد، عام ١٣٢٠.
وكان أهل الدلم حينها يخرجون من سور البلدة إلى المزارع والمراعي خارجه، وذات يوم والعم ناصر في سن ١٠ سنوات تقريبا تفاجأ حين رجع ومعه أخوه الأكبر إبراهيم لسور البلدة، بعد انتهاء الرعي ذلك اليوم، بذلك الجيش الكبير الذي نزل بقرب السور، فخشي أن يكون غزواً من عدو، وكانت معه بقرة يجرها عائداً بها، ومن شدة خوفه انعقد حبل البقرة على أقدامها فسقطت، وجاء بعض جند الملك عبدالعزيز فساعدوه وأخاه، وفكوا الحبل، فمضى حتى دخل السور.
رحل كثيرا في طلب الرزق، فرحل لميناء العقير وعمل فيه، كما رحل إلى (الليث) وعمل في قصر الإمارة هناك بعد انتهاء موسم الحج ذلك العام، حيث كان معه جمع من أهل الدلم، والتقوا في الحج بالأمير عبدالرحمن بن تويم فعرض عليهم العمل معه وإعانته في الإمارة التي كلفه بها الملك عبدالعزيز في الليث وضواحيها. فرافقوه مدة، ثم عاد العم ناصر للدلم.
وعمل في نيابة هيئة الأمر بالمعروف سنوات.
وكان شغوفا بجمع وثائق وأوراق الأسرة محافظاً عليها.
أصبح عميد إخوته ومرجعهم بعد وفاة والدهم راشد وانتقال أخيهم الأكبر إبراهيم في وقت مبكر، فكان لهم بمثابة الأب، في التوجيه والنصح والمشورة.
له مزرعة كبيرة في المحمدي بالدلم، عبارة عن جزء من الأرض التي كانت تسمى (الشمالية) واشتراها هو وإخوته محمد وسعد وعلي من ورثة الشيخ حمد بن عتيق، ثم اقتسموها.
من أهم صفاته: الحلم، والحكمة، وبذل النصح والتوجيه للغير، كما كان كريماً يبتهج بمقدم الضيوف إلى مجلسه.
توفي عام ١٤١٣ للهجرة عن عمر قارب المائة وثلاثة أعوام.
له ٧ من الأبناء هم: عبدالله (وكيل مزارع الأمير عبدالله بن عبدالرحمن بن فيصل سابقا، وتوفي عام ١٣٩٨)، وزيد (رجل أعمال ومقاولات)، وعبدالرحمن (مدير عام الميزانية والتخطيط بالمؤسسة العامه للتدريب المهني والتقني سابقا، ثم مديرا بالبنك السعودي الأمريكي- متقاعد)، وراشد (معيد في جامعة الرياض سابقآ)، وعبدالعزيز (مدير فرع الزراعة والمياه بالخرج سابقا)، وصالح (مدير حسابات بالاتصالات السعودية سابقا)، وسعود (مدير لعدة فروع ببنك الرياض سابقا).
كما له ٦ من البنات.
رحمهم الله وأسكنهم الجنة، ومتع من بقي منهم بالصحة والعافية.
اقرا مزيد
مقتطفات من سيرة رجل الملك عبدالعزيز: العم ناصر بن راشد بن عبدالله رحمه الله
مقتطفات من سيرة رجل الملك عبدالعزيز: العم ناصر بن راشد بن عبدالله الجليفي:
** يعد من أعيان الدلم ومشاهيرها وأهل الحكمة فيها.
** كما يعد من رجال الملك عبدالعزيز، وأحد فرسان معارك توحيد البلاد.
** ولد عام ١٣٣٠هـ بالدلم.
** شارك مع أهالي الدلم في حرب السبلة ١٣٤٧هـ في جيش الملك عبدالعزيز، وكان معه ٥ آخرون من أسرته، قتل منهم ٣ ونجى ٣ آخرون هو أحدهم، وكان من بين القتلى شقيقه الذي يكبره: محمد (وثمة مشهد من محكمة الدلم يوثق مشاركة العم ناصر في هذه الحرب وغيرها).
** شارك في حرب استعادة عسير من تمرد الحسن بن علي الإدريسي عام 1351هـ، وكان قائد الجيش الأمير عبدالعزيز بن مساعد بن جلوي.
** كما شارك في حرب اليمن في عهد الملك عبدالعزيز ١٣٥2 – ١٣٥٣هـ ضمن جيش الأمير (الملك) فيصل في ريعان شبابه، وقد شارك معهم مجموعة خيِّرة من أهالي الدلم، منهم ابن عمه محمد بن عبدالعزيزبن محمد الجليفي. وواصلوا زحفهم العسكري عبر الساحل من عسير، ثم جيزان، حيث استردوا ما احتلته قوات الإمام يحيى حميد الدين الزيدي منها، حتى وصلوا إلى الحديدة، ثم حاصروا صنعاء، حتى تم صلح الطائف عام ١٣٥٣هـ.
** بعدها توجه إلى شمال تبوك على حدود الأردن مع عدد من رجال الدلم وغيرها، بطلب من الملك عبدالعزيز، ومكثوا مدة طويله، نظرا لاضطراب الأحوال هناك، وبعدما أستتبت الأمور والأمن عادوا.
** عمل (خوي) عند الأمير عبدالعزيز بن مساعد بن جلوي أمير حائل، واستمر معه سنوات طويلة، وكان ينقطع عن أهله سنتين أو أكثر دون أن يزور الدلم.
وقد عمل معه عند الأمير عبدالعزيز بحائل: ابن عمه عبدالرحمن بن عبدالعزيز بن محمد الجليفي.
** التحق بعد ذلك بإدارة المجاهدين، واستمر فيها حتى تقاعد في حدود عام 1390هـ تقريبا، وكانت خدمته فيها قرابة 36 عاماً.
** عمل فيما بعد بالرئاسة العامة لهيئة الأمربالمعروف والنهي عن المنكر.
** كما عمل إمامآ لمسجد العاقوله بالدلم، والمسجد مسمى باسمه، ولا زال بنيانه القديم قائماً كما كان. واستمر إماماً حتى وفاته.
** من صفاته ومآثره: كان رجلاً كريماً وحكيماً وشجاعاً ومضيافاً، وكان مجلسه عبارة عن عريش في مزرعته بالعاقولة من الدلم. وكان حافلاً بالضيوف من أقاربه وأصحابه ومحبيه ومن عابري السبيل، وهو أول من بادر بعمل إفطار الصائم على مستوى الدلم في وقته.
** كما كان مشهوراً كثيراً بالأمانة، ولأجل ذلك كان أناس كثير من الدلم والخرج والحوطة والأفلاج ووادي الدواسر ينيبونه في استلام شرهاتهم السنوية من الحكومة ثم يأتون إليه ويستلمونها منه.
كما كان الناس يضعون أماناتهم عنده، سواء كانوا من أهل البلد أو البلدان المجاورة كاليمن.
** ومن المواقف التي تدل أيضاً على أمانته:
أنه جاءه رجل من البادية ووضع عنده حقيبة، والعم ناصر لا يعرفه، وبعد شهرين رجع الرجل وطلب حقيبته، ثم استلمها وفتحها، واذا بها مبلغ ثلاثون ألف ريال،
وتقهوى عند العم ناصر وتعشى وشكره ثم
انصرف بعد أن عد دراهمه ووجدها كما هي. بينما العم ناصر لم يفتح الجقيبة طيلة بقائها عنده.
وموقف آخر : جاءه رجل من أهل (زميقة) يقال له: عبدالله بن سُلَيِّم واشترى منه بذيرة وقطفها وذهب، لكن بقي شيء يسير منها لم يقطفه معه، ولم يرجع لأخذه؛ لعدم علمه به، فبقي العم ناصر يسقيه وعود الشتل الصغير الباقي فيه مع البذاير الأخرى حتى كَبُر، وكأن البذيرة لم يقطف منها شيء، ثم جاء رجل آخر للعم ناصر يسأله هل عنده بذيرة ليشتريها منه؟ فقال: عندي واحدة بعتها لرجل وأخذ بعضها ولم يرجع ليأخذ الباقي حتى الآن، فقال الرجل: بعني الباقي منها، فربما أن صاحبها الأول لن يرجع. فقال العم ناصر: اصبر وسأنظر الأمر، لكن الرجل أخذ يتردد عليه حتى اشتراها بثمن أكثر من ثمنها الأول بكثير، وقطفها، فأخذ العم ناصر الثمن ثم ذهب يبحث عن ابن سليّم في زميقة فوجده عقب صلاة المغرب، وتقهوى عنده، ثم مد المبلغ له، فقال ابن سليم: ما هذا؟ قال العم: هذا قيمة باقي البذيرة، قال ابن سليم: أنا أخذتها كلها. قال العم: لا، أنت أخذت بعضها وبقي بعضها، وقد سقيتها وكبر الباقي وصار أكثر من الذي أخذته، وجاءني رجل واشتراها بأكثر من مشتراك مني، وهذا حلالك، فخذه. فعجب ابن سليم من أمانة العم ناصر، وأصبح يردد هذه القصة في مجالسه، ثناء منه على العم وأمانته.
** ومن صفاته المشهورة عنه: حب الخير للغير، ومساعدة الآخرين، ومما يحكى عنه في ذلك: أن بعض أهل البادية الرحَّل كانوا ينزحون من الصحراء إذا إشتد بهم الحال إلى قرب مكان العم ناصر شمال المحمدي بالدلم (العاقولة)، بعد أخذ الأذن منه ومن بقية إخوته، وكان يكرمهم خير إكرام، شريطة ان يقطنوا المكان دون تعدٍ على أحد، ولا إفسادٍ في مزرعة أحد، فكانوا ينعمون بحسن ضيافته، لكن من خالف منهم
مبدأ الإقامة والنزوح وتعدى على المزارع أمرهم بالرحيل وعدم المقام.
وذاع صيته لهذا الموقف النبيل والشجاع منه رحمه الله.
وله مواقف مشرفة كثيرة معروفة عند القاصي والداني من أعمال الخير وغيرها، وكثيراً ما كان يسدي النصائح للأخرين بحكمته وفطنته التي كانت تميزه.
** كما أنه رحل في طلب الرزق، وركب البحر، ومن القصص التي حكاها في ذلك: يقول: كنا في مركب في البحر الأحمر باتجاه جازان، فهاج البحر، وكنا نسير والحيتان تجارينا من كل الجوانب، تأكل الأسماك من خلف المركب،
فأصابنا التعب والإعياء، وبينما نحن مستمرون في الإبحار نظرنا إلى جزيرة بعيدة فقلنا لسائق المركب: اتجه بنا لتلك الجزيرة لنرتاح فيها قليلا ونتغدي بها، فلما وصلنا إليها ظنناها قريبة فاخبرنا السائق أنها بعيدة وتتطلب سباحةً للوصول إليها، فنزلنا وسبحنا طويلاً حتى تعبنا؛ نظراً لقوة الموج وهيجان البحر، حتى وصلنا أرض الجزيرة، فوجدناها مليئة بالأشجار والهوام والثعابين، وجلسنا بها وارتحنا ثم واصلنا، وحين سألنا عنها سائق المركب: قال: هذه من جزر فرسان.
** من أصحابه المقربين منه: عبدالرحمن بن خنين، وناصر بن شامان، والشاعر عبدالعزيز الهذيلي، وعبدالرحمن بن ناصر الهذيلي، وعبدالرحمن المطيردي، ومفلح القحطاني – رئيس شرطه الدلم سابقا-، والشيخ عبدالرحمن الجلال، وعبدالرحمن العسكر، وعبدالعزيز بن فهد بن معمر امير الطائف سابقاً، وعبدالعزيز السماري، وغيرهم.
** من المواقف التي حضرها مع الملك عبدالعزيز:
يقول: كنا مع الملك عبدالعزيز على السيارات في (هيت) -وهو مكان قريب من الخرج-، فجاء رجل من أهل البادية ومعه إبله، وحين رآها الملك عبدالعزيز أمرهم بالتوقف حتى لا تجفل وتخاف الإبل من السيارات وتهرب، وانتظر حتى جاء راعي الابل يمشي خلفها، فناداه الملك عبدالعزيز وسلم عليه وقال له: من أين جئت؟ قال: من الخرج، فأمره الملك عبدالعزيز بفتح خَرْجه ووضع له فيه قروشاً، ثم مشى الرجل وهو لا يدري من هو هذا الذي أعطاه القروش.
وهذا الموقف فيه برهان على لطف الملك عبدالعزيز برعيته بل وبالحيوان.
وموقف اخر ذكره لرجل آخر قدم من الصحراء حول المكان نفسه (هيت)
فتوقف الملك عبدالعزيز والتفت لوزيره وقال: يا ابن سليمان معكم غداء؟ وأعطوه غداءً ومضى، وهو لا يعرف من هذا الذي أكرمه.
** مواقف أخرى رواها العم ناصر في الحرب:
يقول: كنا في حرب، وكان معي بندقيتي ومعنِّزها على الأرض، وموجهها باتجاه العدو أرميهم بالرصاص، وكلما ضغطت عليها أحس بشيءٍ ما تحتي، فلما حفرت لأنظر ما هو هذا الشيء، وجدت ذرة مدفونة، لكن لم آخذ منها شيئاً، لعلمي أنها ملك لشخص ما قام بدفنها هنا، ثم بعد انتهاء المعركة جاء رجل لا نعرفه وجلس على الحفرة، وصار يبيع علينا تلك الذرة نفسها: الزبيل بخمسة ريالات عربية.
** وفاته: توفي رحمه الله بتاريخ ١٢/ ٦/ ١٤٠٧هـ، عن عمر 77 عاماً، وكانت وفاته مفاجئة، حيث لم يكن يشتكي علةً.
وقد حزن عليه من عرفه من القاصي والداني، وكانت جنازته مشهودة.
رحمه الله رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته، وجمعنا به في دار كرامته، وجزاه عما قدم لدينه ووطنه خير الجزاء وأوفاه.
اقرا مزيد