مقتطفات من سيرة العم محمد بن عبدالعزيز بن محمد الجليفي رحمه الله
(1333 – 1429 هـ).
– ولد ونشأ في محافظة الدلم ، وتحديداً في شمال حي المحمدي، وهو حي زراعي قديم.
– في عام1347هـ شارك مع جيش الملك عبدالعزيز رحمه الله في حرب السبلة، ضد فيصل الدويش وجيش الإخوان، ضمن ٦ من أفراد الأسرة، وكان عمره يقارب الـ ١٥ عاماً، وكان أمير كتيبتهم إبراهيم بن عرفج، وقد نجى في هذه الحرب، بينما قتل فيها ثلاثة من أبناء عمومته هم (زيد وعبدالرحمن ابنا راشد بن محمد، ومحمد بن راشد بن عبدالله) رحمهم الله.
– في عام 1348هـ شارك في حرب أم رضمة؛ وذلك أن فلول جيش الإخوان أعادت ترتيب صفوفها واجتمعت بعد السبلة بقيادة عبدالعزيز بن فيصل الدويش (نظراً لإصابة أبيه بالسبلة، فتولى هو مؤقتاً القيادة نيابة عن أبيه)، وتوسعت فتنتهم في ديار نجد، فجهز لهم الملك عبدالعزيز عدة جيوش وسرايا، منها جيش يقوده أمير حائل الأمير عبدالعزيز بن مساعد بن جلوي، وكان العم محمد في ذلك الجيش فالتقوا مع عبدالعزيز الدويش في مكان يطلق عليه أم رضمه وقتلوه.
– ومن المواقف الطريفة التي حصلت للعم محمد في أم رضمة وقبل بدء الحرب أنه كان في الخيمة المجاورة لخيمة الأمير عبدالعزيز، وكان قد صدر أمر من الأمير بعدم البدء بالرمي إلا إذا بدأ الدويش بالرمي، فكان الكل متقيداً بهذه الأوامر، إلا أن العم محمد عندما رغب في شحن بندقيته بالرصاص استعداداً للمعركة، انطلقت منها رصاصة بالخطأ إلى جهة الدويش، فغضب الأمير عبدالعزيز، وظن أن من أطلق الرصاص لم يتقيد بالأوامر، فأمر بضرورة معرفة من قام بهذا العمل وإحضاره لمعرفة دوافعه، وعندما عرف أنه العم محمد، وأن ما حصل منه هو خطأ غير متعمد عفى عنه.
– في عام 1351هـ شارك في حرب استعادة عسير من تمرد الحسن بن علي الإدريسي، وكان قائد الجيش الأمير عبدالعزيز بن مساعد بن جلوي.
– في ١٣٥٢هـ شارك في حرب اليمن، حين جهز الملك عبدالعزيز جيشين: أحدهما بقيادة ابنه الأمير سعود (ولي العهد آنذاك)، والآخر بقيادة ابنه الأمير فيصل (نائب الملك في الحجاز أنذاك)؛ لمحاربة إمام اليمن آنذاك يحيى حميد الدين الزيدي، وكان العم محمد في جيش الأمير فيصل، حيث ساروا على الساحل، واجتمعوا في أبها، وكان اميرها في ذلك الوقت الشيخ/تركي بن ماضي، من أهالي سدير، وبقوا بها وقتاً في انتظار مجيء الأمير فيصل، بحكم أنه قائد الجيش، وحين وصل الأمير فيصل أعطاهم التعليمات، وعندها توجهوا إلى جيزان، حيث استردوا ما احتلته قوات الإمام يحيى منها، ثم واصلوا الزحف نحو الحدود اليمنية، وحصل الصدام بين الجيش السعودي وجيش الإمام يحيى، وأخذوا يفتحون المدن الواحدة تلو الأخرى، حتى سيطروا على الحديدة، وطردوا منها جيش الإمام، وحاصروا صنعاء من ناحية الغرب، فيما كان جيش الأمير سعود يحاصرها من الشرق، وبقي هذا الحصار حتى تم صلح الطائف عام١٣٥٣هـ، وكان جيش أهالي الدلم المشارك في هذه الحرب تحت إمرة ابن عسكر أحد أعيان مدينة الدلم، وهو عبارة عن كتائب إحداها بقيادة ابن خنين، وكان العم محمد معه في تلك الكتيبة.
كما أن الشاعر/ عبدالعزيز الهذيلي من ضمن من شارك في هذه الحرب، وهو من أهالي الدلم، وله في ذلك أبيات شعر وثق فيها تلك الأحداث.
– كان من ضمن المرابطين على الحدود الشمالية بين المملكة العربية السعودية والعراق فترةً من الزمن؛ نظراً لوجود خلافات داخلية في العراق في ذلك الوقت، أيام الحكومة الملكية، وحفاظاً على حدود المملكة، فقد أصدر الملك عبدالعزيز أمره بضرورة تواجد كتيبة من المجاهدين على الحدود الشمالية.
ومن ضمن المشاركين مع العم محمد في هذه الكتيبة الشيخ/ ناصر بن شامان (بن طالب) وغيره من أهالي الدلم.
بعد عودة العم محمد من الحروب عمل عند الملك عبدالعزيز في قصره في المربع.-
– في عام ١٣٦٥هـ ذهب الملك عبدالعزيز في زيارة تاريخية لمصر، فانتقل العم محمد وقتها للعمل عند أمير الرياض ذلك الوقت الأمير ناصر بن عبدالعزيز؛ مراقباً في مزارع الأمير الواقعة جنوب الرياض، ولفترة لم تطل.
– ومن المواقف التي كان يحكيها العم محمد عن نفسه مع الملك عبدالعزيز:
كانت الحياة قبل اكتشاف البترول في المملكة العربية السعودية صعبة، وموارد الدولة قليلة، وكانت الإعتماد في تلك الفترة على الزراعة والرعي، وقد حدثت مجاعة شديدة في البلد، وهلك الناس جوعاً، وقد خرج العم محمد مع الملك عبدالعزيز لِلْبَر حينذاك، يقول:
عندما نُصبَت خيمة الملك وجلس بها، وكنت من ضمن الحرس عند باب الخيمة ليلاً، بدأ الملك يقرأ القرآن، ثم بدأ يصلي، وسمعته يبكي ويدعو: (اللهم إن كان في ملكي لهذا البلد وأهله خيراًً ففرِّج عني وعنهم، ووسّع لنا في الرزق، وإن كان في ملكي لهم شراً فريّحهم مني)، وأخذ يكرَّر هذا الدعاء ويبكي.
ففرج الله عنه وعنهم، ويسّر اكتشاف البترول، وتوالت الخيرات، ولله الحمد.
وهذا يدل على مدى خوف الملك عبدالعزيز من ربه تعالى، وحرصه الشديد على شعبه، وألا يكون الشعب معاقباً بسببه (رحمة الله عليه).
– عاد العم محمد إلى الدلم وتزوج في عام ١٣٦٨هـ تقريباً.
– عُرض عليه أن يعمل ضمن أخويا الأمير عبدالعزيز بن مساعد بن جلوي في حائل؛ حيث كانت رغبة الأمير أن يكون أخوياه من أهالي الدلم؛ لكونه يطمئن لهم، فاعتذر عن الذهاب، وأناب عنه شقيقه عبدالرحمن بديلاً عنه، حيث ذهب عبدالرحمن مع اثنين من أبناء عمومته هما عبدالله وأخوه ناصر ابنا راشد بن عبدالله، وبقوا هناك زمناً عند الأمير عبدالعزيز.
– ذهب إلى الأحساء وعمل ضمن أخويا الأمير سعود بن جلوي، وذلك على فترتين:
الأولى كلها بالأحساء. والثانية جزء منها بالأحساء، وعندما كُلف الأمير سعود أميراً للشرقية وحاضرتها مدينة الدمام، من قِبَل الملك سعود عام ١٣٧٩هـ اختاره الأمير سعود من ضمن الأخويا الذين اختارهم للعمل معه بالدمام.
– كان العم محمد محل ثقة الأمير سعود حيث أوكل إليه الشؤون الخاصة بمحارمه: من سفرٍ وتنقلٍ ونحوه، ويقول: إنه عندما يكون هناك حاجة لي فإن الأمير سعود بعد الانتهاء من صلاة الفجر ونحن في مسجدٍ واحد يلتفت يمنةً ويسرة، وعندما يراني يشير إلي بيده، عندها أعرف ماذا يريد، ثم يختصر بي ويخبرني أنني اليوم سأذهب إلى مكان كذا (يسميه) وبرفقتي إحدى المحارم من أهل بيته، سواء داخل أو خارج الدمام، وغالباً مايكون خارج الدمام، إلى الرياض أو جدة، ويكون السفر للرياض عن طريق البر أو الطيران، أما بالنسبة لجدة فيكون بالطائرة.
– وكان أول اختبار من الأمير سعود للعم محمد حينما أرسله إلى الرياض ومعه امرأة من محارمه، ترافقها طفلة، على أن يعود بها بعد انقضاء غرضها في الرياض، وعندما عاد بها إلى الدمام أثنت عليه الأميرة خيراً، من حيث الأمانة والمتابعة حتى انتهاء الغرض الذي من أجله سافرت، فولاه الأمير حينئذ شؤون محارمه.
– كان العم محمد في زمنه من القلائل الذين يجيدون الكتابة، وكان خطًّاطاً جيداً، لكنه لم يبلغ الأمير سعود بذلك؛ لئلا يجعله الأمير ملازماً لديوان الكتابة، بل كان يريد التنقل مع الأمير في رحلاته وتنقلاته، ولكن رآه أحد الأخويا وهو يكتب، فأُعجب بخطِّه، فأبلغ الأمير بذلك، فناداه الأمير وسأله، فأخبره بأنه فعلاً متعلم ويجيد القراءة
والكتابة، فجعله كاتباً له، إضافة لعمله الأول في الشؤون الخاصة بالمحارم.
ويقول ابنه الأكبر فهد: كان الوالد (رحمه الله) يراسلنا بالرسائل الورقية يخبرنا فيها عن أحواله، ويسأل عن أحوالنا، وكان مَنْ يقوم بإحضار هذه الرسائل أحد أصحابه ممّن يحصلون على إجازةٍ من طرف الأمير سعود، ويذكر منهم: عبدالرحمن الهذيلي، ومحمد العبودي، وأبو عبدالله بن حوتان.
وعندما تنتهي إجازاتهم يمرّون علينا لكي نعطيهم رسائلنا للوالد رداً على رسائله … وهكذا.
ويضيف ابنه فهد: الوالد رحمه الله كان خطَّاطا ماهراً، وكان سكان المحمدي بالدلم يستعينون به في الكتابة عند الحاجة لرفع خطاب لأي من الجهات المعنية.
– من أجل مجالسته للأمير وقربه منه وثقته به وتكليفه له في كثير من الأمور الخاصة؛ فقد أغاض هذا رئيس الأخويا، وبدأ يدقق في عمله ويسأله عن كل صغيرة وكبيرة، مما يكلفه به الأمير، وكان العم محمد يتضايق جداً من تلك التصرفات ويتهرب من الجواب أحياناً، فازدادت الغيرة لدى هذا الرجل وبدأ يتصيّد أي خطأ قد يحدث من العم محمد.
– تكريماً للعم محمد فقد عينه الأمير سعود رئيساً لمركز (أم عقلا الشملول) أحد المراكز التابعة لمحافظة الأحساء، واستمر رئيساً للمركز إلى وفاة الأمير سعود بن جلوي عام 1386هـ.
– بعد وفاة الأمير سعود بن جلوي تولى إمارة الشرقية أخوه الأمير عبدالمحسن، فاستمر العم محمد على رأس عمله، لكن رئيس الأخويا كان متصيِّداً لأي خطأ له كما ذكرنا سابقاً، فوجد فرصته للوشاية به عند الأمير الجديد، بعد أن لم يتمكن من ذلك أيام الأمير سعود؛ لمعرفته ان الأمير سعود لايسمع ولايصدق أي كلام يقال في العم محمد، وهذا نابع من ثقته الكبيرة به؛ ذلك أن العم محمد حين كان أميراً لمركز أم عقلا الشملول طلب منه أحد منسوبي المركز إجازة لمدة (١٥يوماً) وعندما بدأت إجازته أخذ معه سيارةً من المركز دون علم العم محمد حينها، وبعد انتهاء إجازته لم يباشر، بل تأخر، ولم يعد لعمله إلا بعد مضي شهرين؛ لظروف مرت به. وقد أثّر هذا على سير العمل بالمركز؛ لقلة السيارات به حينئذ، فوجدها رئيس الأخويا الفرصة التي لن تتكرر ليرفع بما حصل للأمير عبدالمحسن، بالإضافة الى أشياء أخرى ألصقت بالعم محمد زوراً، وهذا ما تم بالفعل حيث تم استدعاء العم محمد لسماع أقواله فيما نُسب إليه، وبقي في القصر مع الأخويا لمدة (8) أيام (توقيف حشمة) حتى يُنظر في أمره، مع سحب السلاح منه وملحقاته (سيف وقَرْدَه ومحزم مثلوث)، وعندما اتضح للأمير الموضوع بتفاصيله تم توجيه لوم للعم محمد على عدم الإبلاغ عن تصرفات السائق وغيابه بعد انتهاء اجازته، مع تبرئة العم محمد من التهم الأخرى (وكان قصد العم من عدم الإبلاغ هو تعاطفه مع السائق وعدم الضرر به).
بعد مضي الـ(8) أيام طلب الأمير عبدالمحسن بأن يقابله العم محمد في مكتبه، وعندما قابله أعطاه بعض النصائح، وطلب منه العودة لعمله في (مركز أم عقلا الشملول)، وأعاد إليه السلاح وكافة الصلاحيات، لكن العم كان في قرارة نفسه أن يترك العمل في الإمارة نهائياً بعد الذي حصل له، وكونه لم يعد مرتاحاً في العمل بسبب الحسد من بعض العاملين معه، لذا لم يعد لمباشرة العمل بالمركز مجدداً، بل طلب مقابلة الأمير عبدالمحسن مرة أخرى، وعندما قابله طلب من سموه إعفاءه من الاستمرار في عمله وقبول عذره، وحاول الأمير ثنيه عن ذلك، لكن العم أصرَّ على رأيه، وعندها تم قبول طلبه، وسَلَّم السلاح وكافة ملحقاته للإمارة، وعاد إلى الدلم أواخر عام ١٣٨٦هـ، وعمل بالزراعة الى أن توفاه الله.
– لازم مجلس الأمير سلمان بن محمد (غزلان) بن الإمام سعود بن الإمام فيصل بن الإمام تركي، والأمير سلمان هو الملقب بـ (فارس آل سعود)، بالدلم، فكان يزوره كل يوم عصراً، وقد خصص له الأمير الكرسي الأيمن المجاور لكرسيه، فلم يكن يجلس فيه أحد غالباً إلا العم محمد.
– كان معروفاً بكرمه وجوده، وحبه للمعالي من الأمور، فلا يقبل أسافلها، ولعل لحياته مع الشيوخ أثراً في ذلك.
– كان يلقب في الأسرة بلقب (الفِرْم) أي الكبير العظيم. وكان الأمير سلمان يعرف هذا اللقب لمحمد ويلقبه به دائماً؛ لأنه يراه أهلاً له.
وكانت كلمته مسموعة لدى الأسرة لما يتمتع به من حكمة وسداد في الرأي، وكان يُرجع له في كثير من الأمور عندما يستدعي الأمر ذلك.
– توفي في ٧/ ٣/١٤٢٩هـ عن ٩٦ سنة، وقد شارك في عزائه بعض أبناء الأمير سلمان بن محمد.
ابنه الأكبر: فهد، عمل مديرا عاما للشؤون المالية والإدارية بمصلحة الزكاة والدخل سابقاً، متقاعد.
هذه مقتطفات موجزة من حياة هذا العلم الكبير من أعلام أسرة الجليفي.
رحمه الله رحمة واسعة وجميع موتى المسلمين.
عن الكاتب