المسلسلات التاريخية : أهداف وراء الستار
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، نبينا محمد ، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثرهم وسار على دربهم إلى يوم الدين ، وبعد :
فإن مما لا يخفى على أحد في هذا الزمان كثرةَ وتنوعَ الوسائل الإعلامية : مقروءة ، أو مسموعة ، أو مرئية ، وإن من أهم الوسائل الإعلامية أثراً ، وأكثرها جمهوراً : «القنوات الفضائية» ، فهي بلا شك تتربع على عرش الأهمية ، وتعلو فوق منصة التتويج ، وتحوز القدْحَ المُعَلَّى من بين كافة الوسائل الإعلامية الأخرى .
وإن ما تبثه هذه القنوات الفضائية بحر لا ساحل له ، فمنه الغث ، ومنه السمين ، ولقد أضحت في هذا الزمان من أهم وسائل تلقي العلوم والمعارف عند جمهور الناس وسوادهم الأغلب .
ولعلي هنا أقف مع نوع محدد من أنواع البرامج التي تبث عبر هذه القنوات ، وهو يلقى متابعةً ورواجاً منقطعي النظير من عموم المشاهدين ، على اختلاف مستوياتهم ، ذلكم النوع من البرامج هو «المسلسلات التاريخية» ، التي تعد من القديم المتجدد في هذه القنوات ، بل لقد أصبحت أخيراً من أكثر المسلسلات عرضاً وإنتاجاً ، خصوصاً في شهر رمضان ، وعلى الرغم من كل ذلك إلا أني ألحظ قلة الحديث عنها جداً في المنابر كافة ، ولعل القارئ الكريم يوافقني الرأي في هذا .
ومن هنا : رأيت أن أدلي بدلوي تجاه هذا الموضوع الكبير ، وأقف مع هذه المسلسلات وقفة تأمل وإنصاف ونقد علمي منهجي ، كاشفاً عن غموضٍ شديدٍ يلفها ، أجزم وأقطع أنه يخفى على الجمهور الأغلب من المشاهدين ، بل ربما حتى من بعض متخصصي التاريخ أنفسهم ، سائلاً الله العون والتوفيق في ذلك ، فأقول مختصراً ما أقول ؛ إذ الإسهاب يطول :
أولاً : ما المراد بالمسلسلات التاريخية محل البحث معنا ؟
هي على نوعين :
1 – المسلسلات التي تحكي سيرة عَلَمٍ من الأعلام العِظَام في هذه الأمة الإسلامية – وليس مجال البحث هنا الأعلام من الأمم قبل الإسلام – ، وذلك من مولده ، حتى وفاته ، وما مر به في حياته من أحداث ، وأفراح ، وأتراح ، سواء كان هذا العَلَم هو الرسول الأعظم – صلى الله عليه وسلم – ، أو كان من الصحابة ، أو التابعين ، أو أتباعهم ، حتى أعلام هذا الزمن ، أو كان من القادة الأبطال المجاهدين ، ممن نشر الإسلام ، وفتح الأقاليم ، ومصَّر الأمصار ، أو خليفة من مشاهير خلفاء الإسلام ، أحدث أثراً فيمن بعده ، وأصبح نهجه مدرسة يحتذى سبيله فيها ، أو كان أميراً أو حاكم إقليمٍ من أفاليم الإسلام في زمنٍ غَبَر ، وهكذا .
2 – المسلسلات التي تخص حِقْبَةً زمنية محددة ، حيث تحكي أحداثها ، من أفراحٍ ومآسٍ ، ولا يكون الضوء فيها مسلطاً على شخصية بعينها كالنوع السابق ، وستأتي بعض الأمثلة على كل نوع في ثنايا هذه الوقفات .
ثانياً : ما الهدف الذي يعلنه منتجو هذه البرامج والمسلسلات التاريخية ، ومن أجل تحقيقه تعنَّوا مشقةَ جمع المادة العلمية من المصادر المعتمدة ، وتنقيحها ، واختيار طاقم التمثيل ، وتوزيع الأدوار ، وتهيئة المكان المناسب لطبيعة العصر الذي وقعت فيه الأحداث ، والتدريب … إلخ ؟
هم دوماً يعلنون أن هدفهم من وراء كل ذلك نبيل جداً ، على راية بيضاء صافية محمول ، وهو : تعريف الأمة بأسلافها العظماء ، الذين كان لهم دور عظيم ومؤثر في التاريخ الغابر ، صنعوا به الأمجاد ، وسطروا به أروع البطولات ، فَفِعَالهم تعد نبراساً يُحتذى ويُقتدى بهم فيها من أبناء وبنات هذا العصر ، وهذا مما يدفع عموم المسلمين إلى عدم الأسى على حالهم اليوم ، إذا علموا أن لأسلافهم أمجاداً ستعود إن هم سلكوا مسلكهم ، وهذه البطولات مسطرة في بطون كتب التاريخ ، لكن بما أن «العرب أمة لا تقرأ» رأوا أن ينقلوها من بطون الكتب إلى أقوى وسائل جذب المشاهد ، وهي الشاشة ، وفي رمضان خاصة . هكذا قالوا .
ثالثاً : من المعلوم أن لكل هدف وسائل توصل لتحقيقه ، فهل الوسائل التي اتخذها منتجو هذه المسلسلات (وهي نفس ما يعرض في هذه المسلسلات) توصل إلى تحقيق هدفهم المعلن أم لا ؟
الذي يظهر لجمهور المشاهدين وسوادهم الأغلب ، وحتى بعض متخصصي التاريخ أن هذه المسلسلات تحقق أهدافها بشكل كبير جداً ، ولا غبار عندهم ولا تراب على ذلك .
إلا أني أخالفهم الرأي في هذا ، وأرى أن المتأمل في هذه المسلسلات بدقة يدرك أنها لا تحقق تلك الأهداف المعلنة ، بل تهدم الكثير منها تماماً ؛ وذلك لأن ما يعرض فيها ليس هو محاسن تلك الشخصية المعنية في المسلسل ، بل يأتون بالكثير من المساوئ والمعايب التي هم يدركون قبل غيرهم أنها مما كُذِب على تلك الشخصية ، وأن العقل السليم لا يقبل تصديق نسبتها إلى الشخصية بحال من الأحوال ، أو أنها مما هُوِّل وزِيْد فيها وبُوْلِغ وحُرِّف ، لكن عرضهم لتلك المساوئ إنما يكون بطرق خفية ، لا يدركها إلا العارفون بالأحداث التاريخية تلك ممن لهم اطلاع وتمحيص ، فهم يأتون بالحدث السيء المكذوب بين حدثين صحيحين يحكيان مجداً عظيماً للشخص المعني ، فيربطون الحدث المكذوب بالحدث الصحيح قبله ، وبعده ، فتبدو تلك الأحداث الثلاثة كنسيج واحد لا ينفك بعضها عن بعض ، وتكوِّن قصة متكاملة الأطراف ، ومن ثم يفوت على المشاهد تمييز الحدث المكذوب المدسوس ، وقد لحظت هذا كثيراً خاصة في مسلسل «خالد بن الوليد» ، كما أنهم يأتون بالكذب أحياناً تعريضاً لا تصريحاً ، لكن يفهمه ذوو الشأن ، وقد يُؤْتى به صريحاً ، كما أن بعض تلك المساوئ قد تكون صح وقوعها من ذلك الشخص المعني ، لكن لم أبرزت هنا في المسلسل ، ما دام الهدف منه إبراز عظم شأن هذا الشخص ، وذكر مآثره ، والحث على الاقتداء به ؟ وهم يعلمون أن الحدث السيء يعلق بالذهن ويرتسم في الذاكرة ، ويبقى مذكوراً أكثر من الحدث الحسن ، ولذا حرصوا على بث هذه الأحداث وتفريقها على حلقات المسلسل الواحد ، حتى يخرج المشاهد في نهاية المسلسل بتركةٍ من الأحداث السيئة التي شوهت في نظره صورة تلك الشخصية ، وقللت من شأنها عنده ، فهم إذن يدسون السم في العسل ، ولعل ذكر الأمثلة بعد قليل يجلي الصورة بشكل أكبر .
رابعاً : يحتج منتجو هذه المسلسلات في تضمينهم لها تلك السوءات بأنهم لم يكذبوا في شيء من تلك الأحداث ، وإنما نقلوها من بطون الكتب التاريخية الأمهات الأصول المعتمدة عند عموم المسلمين ، والتي ألَّفها كبار أئمة الإسلام الموثوق بهم ، كالطبري في «تاريخ الأمم والملوك» ، وابن الأثير في «الكامل في التاريخ» ، وابن كثير في «البداية والنهاية» ، وغيرهم ، ومن ثم فلا لوم عليهم في ذلك ، فهم مجرد نَقَلَة ، والعهدة على الراوي .
لكن يقال في الجواب عن هذا : أولاً : كونهم لم يضيفوا شيئاً من أنفسهم غير مضمن في كتب التاريخ ، هو ادعاء غير صحيح ، فأحداث المسلسلات من خلال تتبعي لها بشكل مجمل ، يوجد بها ما لم يُضَمَّن في أيٍّ من كتب التاريخ ، وإنما أضيف من قبل المنتج ؛ لدواعي فنية وإخراجية كما يقال ، وسيأتي ذكرٌ لبعض الأمثلة التي تجلي سياسة الانتقاء أو الحذف المتعمد لبعض الأحداث الهامة ؛ لمقاصد سيئة ، وكذا إضافة ما لا أصل له في كتب التاريخ .
وثانياً : ما كان من تلك الأحداث السيئة مضمناً في بطون أمهات الكتب ، فلا يعني أنه صحيح موثوق به ، ومن ثم يجوز نشره واعتقاد صحته ، بل الأمر على العكس من ذاك ؛ إذ لم يشترط أحدٌ من مؤلفي الكتب التاريخية الأمهات الأصول الموسوعية أن يلتزم الصحة في كل ما يسرده في كتابه من حكايات وأحداث وقصص وروايات ، بل منهج المؤرخين عموماً هو : جمع وذكر كل ما بلغهم ، والحكم بالصحة أوالضعف إنما هو دور القارئ وليس المؤلف ، وهذا هو المنهج الذي سار عليه المؤرخون الأعلام قديماً وحديثاً ، خاصة أصحاب الكتب الموسوعية ، فهم يذكرون الغث والسمين ، وما هبّ ودبّ من أخبار «حُطَّابُ ليلٍ» ، ويحرصون على غرائب الأخبار ، وما تحار العقول في قبوله ؛ وذلك بقصد الإثارة ، ولفت الأنظار إلى كتبهم ، كما هو دأب الصحافة وكافة وسائل الإعلام اليوم .
وقد نص كثير من المؤرخين في مقدمات كتبهم على أن هذا هو نهجهم ، حتى لا يلومهم أحد على بعض السوء المضمن فيها .
فهاهو شيخ المؤرخين قاطبةً ، الإمام أبو جعقر محمد بن جرير الطبري (ت 310 هـ) ، الذي يعد كتابه «تاريخ الأمم والملوك» أهم كتاب في التاريخ عند المسلمين بالاتفاق ، وقَلَّ أن ألَّف أحد بعده إلا ونقل عنه ، كما يقول ابن الأثير في مقدمة كتابه «الكامل في التاريخ» : «التاريخ الكبير الذي صنفه الإمام أبو جعفر الطبري ، هو الكتاب المُعَوَّل عند الكافة عليه ، والمرجوع عند الاختلاف إليه … وإنما اعتمدت عليه من بين المؤرخين ؛ إذ هو الإمام المتقن حقاً ، الجامع علماً ، وصحة اعتقاد ، وصدقاً» ، يقول الطبري في مقدمة تاريخه مبيناً أنه ضمن كتابه ما يستنكر ويستشنع ، بل ما لا يصدقه العقل أصلاً : «فما يكن في كتابي هذا من خبرٍ ذكرناه عن بعض الماضين ، مما يستنكره قارئه ، أو يستشنعه سامعه ؛ من أجل أنه لم يعرف له وجهاً في الصحة ، ولا معنىً في الحقيقة ، فَلْيَعْلَم أنه لم يُؤْتَ في ذلك من قِبَلِنا ، وإنما أُتِيَ من قِبَل بعض ناقليه إلينا ، وإنما أدَّينا ذلك على نحو ما أُدّي إلينا» ا . هـ . ولكن الطبري أزال عن نفسه بعض اللوم حين ذكر كل خبر بإسناده ، فينظر القارئ في الإسناد ، ومن ثم يحكم على الرواية ، و«من أسند لك فقد حمَّلك» ، ولقد مُحِّصت روايات الطبري من حيث الصحة والضعف ، فوُجِد أن ثلثي رواياته في تاريخه ضعيفة ، والثلث صحيح ، حيث قام جماعةٌ من طلبة العلم بجمع الصحيح والضعيف في تاريخه ، فبلغ مجموع ذلك 13 مجلداً ، نصيب الصحيح منها 5 مجلدات ، والباقي ضعيف ، أما جمهور المؤرخين غير الطبري فبالإضافة إلى تضمينهم الضعيف والمكذوب في تواريخهم ، إلا أنهم زادوا الطين بِلةً بعدم ذكرهم لأسانيد تلك الروايات ، ولا من حدثهم بها .
ويقول الإمام السبكي في كتابه «طبقات الشافعية الكبرى» : «إن أهل التاريخ ربما وضعوا أناساً ، أو رفعوا أناساً ؛ إما لتعصب ، أو جهل ، أو لمجرد اعتمادٍ على نَقْل مَنْ لا يوثق به ، أو لغير ذلك من الأسباب ، والجهل في المؤرخين أكثر منه في أهل الجرح والتعديل ، وكذلك التعصب ، قَلَّ أن رأيتُ تاريخاً خالياً من ذلك» .
وابن كثير على علو كعب علمه في الحديث وعلله ، إلا أنه يعترف أنه ضمَّن تاريخه «البداية والنهاية» – الذي يعد من أشهر كتب التاريخ الأمهات – بعضَ الإسرائيليات ، فقد قال في معرض حديثه عن نقل بعض مؤرخي الإسلام لتلك الإسرائيليات التي لا فائدة لكثير من الناس فيها : «ولا نذكر منها إلا القليل على سبيل الاختصار» .
كما قال أيضاً : «لو أُجري منهج نقاد الحديث على روايات التاريخ ، لذهب اكثرها هباءً منثوراً» .
ويقول أيضاً الإمام ابن خلدون في مقدمته الشهيرة : «إن فحول المؤرخين في الإسلام قد استوعبوا أخبار الأيام وجمعوها ، وسطروها في صفحات الدفاتر وأودعوها ، وخلطها المتطفِّلون بدسائسَ من الباطل وَهِمُوا فيها وابتدعوها ، وزخارفَ من الروايات المضعَّفة لفَّقُوها ووضعوها ، واقتفى تلك الآثار الكثيرُ ممن بعدهم واتَّبعوها ، وأدّوها إلينا كما سمعوها ، ولم يلاحظوا أسباب الوقائع والأحوال ولم يراعوها ، ولا رفضوا ترّهات الأحاديث ولا دفعوها ، فالتحقيق قليل ، وطَرْفُ التنقيح في الغالب كليل ، والغلط والوهم نسيبٌ للأخبار وخليل ، والتقليد عريق في الآدميين وسليل» .
وقال أيضاً : «وكثيراً ما وقع للمؤرخين والمفسرين وأئمة النقل من المغالط في الحكايات والوقائع ؛ لاعتمادهم فيها على مجرد النقل غثاً أو سميناً ، ولم يعرضوها على أصولها ، ولا قاسوها بأشباهها ، ولا سبروها بمعيار الحكمة والوقوف على طبائع الكائنات ، وتحكيم النظر والبصيرة في الأخبار ، فضلوا عن الحق ، وتاهوا في بَيْدَاء الوهم والغلط» ا . هـ .
فهذا إذن هو منهج المؤرخين عموماً : عدم الالتزام بالصحة فيما نقلوه ، سواء أكانت كتبهم موسوعية ، أو كتب تواريخ الأقاليم ، أو تواريخ الطبقات ، أو تراجم أعلام كل قرن ، أو كتباً مفردة عن دولة ما ، أو حقبة زمنية ما ، أو شخص بعينه ، وذلك كله في القديم والحديث ، إلآ أنه بدأ في الوقت الراهن ظهور كتب تخصصية تعنى بتنقيح الروايات وسبرها ، لكنها قليلة جداً ، وليست موسوعية شاملة ، ولا تعد من الأمهات عند أهل الفن .
وبعض المؤرخين قد يلجأ إلى الكذب واختلاق القصص البواطيل ، وليس مجرد نقل ذلك ؛ وذلك لأسباب عدة ، منها التعصب المذهبي ، أو الطائفي ، أو التزلف ، أو البحث عن الشهرة وشد الانتباه لكتابه ، وغير ذلك .
خامساً : بعض الملاحظ على أهم المسلسلات التاريخية الشهيرة :
سأقتصر هنا على أبرز الملاحظ وأخطرها ؛ إذ التفصيل يصعب في مقال كهذا ، فعذراً .
((1)) مسلسل «قمر بني هاشم» ، والذي يحكي السيرة النبوية ، وعرض في رمضان الماضي 1429 هـ:
1 – قام بتمثيل دور الراهب «بُحَيرَى» شخص مسلم ، بينما أدوار بعض الصحابة مثَّلها نصارى !! وهذا غير مقبول البتة ؛ لمساسه بعقيدة المسلمين ، وكرامة صحابة الرسول – صلى الله عليه وسلم – ، وإن احتج المخرج بأسباب فنية دفعته إلى توزيع الأدوار بهذا الشكل المسيء ، فهل عجزت أرحام نساء المليار ونصف مسلم أن تلد ممثلين مبدعين يؤدون دور الصحابة ؟ وهذا الأمر متعمد ؛ لأنه سبق وأن فُعِل في مسلسل «خالد بن الوليد» ، وبعض أسماء هؤلاء الممثلين يظهر منها أنهم غير مسلمين ، وبعضهم لا يتضح ، فلا يعرف ديانتهم أكثر المشاهدين .
2 – الإكثار من إيراد النصوص أثناء الحوار بين الصحابة ، والتي ترد فيها كلمة «كذب» ، فيظهر الأمر للمشاهد وكأن بعض الصحابة يكذب الآخر علناً ، والرسول – صلى الله عليه وسلم – بين أظهرهم فلا يرجعون إليه .
وهذا من التلبيس على الناس ؛ إذ إن أكثر ما تستعمل فيه كلمة «كذب» في لغة قريش هو معنى : «أخطأ» ، وليس مرادهم بها : تعمد قول خلاف الحق ، وقد وردت هذه الكلمة في بعض الأحاديث ، كقول النبي – صلى الله عليه وسلم – عن سعد بن عبادة – رضي الله عنه – يوم الفتح : «كذب سعد ، ولكن هذا يوم يعظم الله فيه الكعبة» رواه البخاري ، ومراده هنا : أخطأ ، وكذا قول عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – لهشام بن حكيم – رضي الله عنه – : «كذبت ، ولكن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أقرأنيها على غير ما قرأت» رواه البخاري . وكذا قول أسماء بنت عميس – رضي الله عنها – لعمر بن الخطاب – رضي الله عنه – : «كذبت يا عمر ، والله كنتم مع رسول الله يطعم جائعكم …» الحديث ، متفق عليه ، قال النووي في شرحه للحديث : «كذبت ، بمعنى أخطأت ، وهي لغة في قريش» .
فهؤلاء يأتون بالوقائع التي ورد بها لفظ «الكذب» يطلقه بعض الصحابة على بعض ، دون أن يبينوا ما مراد الصحابة بذلك ، أو يستبدلوها بلفظ «أخطأ» .
3 – إخفاء دور أبي بكر الصديق – رضي الله عنه – في بعض الأحداث المهمة ، كدوره في إسلام عثمان بن عفان ، وطلحة بن عبيد الله ، وإعتاق بلال ، وغير ذلك ، فأتوا بالحدث ، وأخفوا دور أبي بكر فيه ، رغم وجود هذا الدور في الكتب التي نقلوا عنها ، وهذا يدل على سياسة الانتقاء المتعمد غير الشريف .
4 – إبراز سير بعض الصحابة الكرام قبل إسلامهم ، وذلك حين قتالهم للرسول – صلى الله عليه وسلم – ، وحربهم على الإسلام ، وقتلهم للمسلمين حينذاك ، والاكتفاء بهذا ، فلا يذكرون عنهم أنهم أسلموا بعد ذلك وحسن إسلامهم ، مما يخيل للمشاهد أن هؤلاء ماتوا على الشرك ، فيرسم لهم صورة في عقله سيئة جداً ، ويبغضهم ، دون أن يعلم أنهم صحابة ، كصفوان بن أمية ، وغيره .
((2)) مسلسل «خالد بن الوليد» :
1 – مثل دور خالد بن الوليد نصراني ، وكذا دور بعض الصحابة ، كعكرمة بن أبي جهل !! .
2 – صوروا من خلال بعض حلقات المسلسل خالد بن الوليد على أنه سفاح سفاك للدماء ، يقتل بمجرد الظن والشبهة دون يقين ، بل قد يكون ذلك لأغراض مشبوهة ، وأبرز مثال على هذا : قصة خالد بن الوليد وقتله لمالك بن نُوَيْرَة أيام الردة في عهد الصديق ، ثم زواجه من امرأته «أم تميم بنت المنهال» ، وما أعقب ذلك من استدعاء أبي بكر له ، والخصام بينه وبين أبي قتادة الأنصاري ، وعمر بن الخطاب ، وهذه القصة مكذوبة باطلة لا أصل لها من الصحة البتة ، ورواتها عند الطبري في تاريخه من الكذابين المتفق على طرح رواياتهم (سيف بن عمر التميمي ، ومحمد بن حُمَيْد الرازي) ، وأوردها الواقدي في كتاب الردة ، واليعقوبي في تاريخه ، والواقدي مشهور بالكذب ، واليعقوبي شيعي مكثر من سب الصحابة ، فهذا هو حال هذه الرواية ، فلِمَ ذُكِرَتْ إذن في المسلسل ما دام مقصودهم منه إظهار بطولات خالد بن الوليد ؟ .
3 – صوروا علاقة عمر بن الخطاب بخالد بن الوليد بالعدائية والثأرية منذ العضر الجاهلي ، وأن ذلك – كما في المسلسل – امتد إلى ما بعد إسلامهما ، ولذا عزل عمرُ فور توليه الخلافة خالداً عن قيادة جند الشام ، وولى أبا عبيدة بن الجراح بدلاً عنه ، وهي كسابقتها مكذوبة ؛ إذ رواها الطبري من طريق سيف بن عمر التميمي ، ومحمد بن حُمَيْد الرازي ، وأوردها اليعقوبي في تاريخه ، فأسانيدها باطلة .
والصواب أن عمر بن الخطاب قال حين عزل خالداً : «والله إني لم أعزله عن ريبة ، ولكن الناس عظَّموه ، فخشيت أن يوكلوا إليه» ، وقد أمر أبا عبيدة بأن يعتمد على خالد ويستشيره في أموره .
4 – الإكثار من إيراد النصوص الوارد بها لفظ «كذب» ، ومنها ما وقع بين خالد وعمر ، وسبق بيان مخرج القول في هذا .
5 – التركيز على بعض ما وقع بين خالد وبعض الصحابة من أمورٍ يجب السكوت عنها وعدم إبرازها ، والترَضِّي عن الجميع ، كقصته يوم الفتح ، أو مع عبد الرحمن بن عوف ، وغير ذلك ، فهي وإن صحت ، فما فائدة إبرازها هنا ؟ كما أن بعض تلك الحوادث والمعايب التي تضمنها المسلسل غير صحيحة فيكون الأمر حينئذٍ أدهى وأمرّ ، ولا يخفى على أحد أن هذه الحوادث وأمثالها مما يعلق في ذهن المشاهد أمداً طويلاً ، ويولّد في نفسه شيئاً من استنقاص أو حتى كره بعض الصحابة .
((3)) مسلسل عن الدولة المملوكية (648 – 923 هـ) ، وأبرز الشخصيات التي تحدث المسلسل عنها هي : شجرة الدر ، ومعز الدين أيبك ، والمظفر قطز ، والظاهر بيبرس :
1 – إخفاء الدور الكبير جداً لعلماء ذاك الزمان في حض سلاطين هذه الدولة الأوائل (قطز ، وبيبرس) على الصمود في وجه الزحف التتري المغولي الكبير ، الذي وصل إلى أبواب مصر بعد احتلاله الشام وكل ما قبلها من بلاد الإسلام ، وكان بعض القادة المماليك قد مالوا إلى المسالمة والصلح مع «هولاكو» ، لولا عناية الله ، ثم تدخل العلماء ، وحضهم القائد قطز على المقاومة والجهاد والاستبسال ، وكان لشيخ الإسلام سلطان العلماء العز بن عبد السلام القدح المُعَلَّى في ذلك بلا مَيْنٍ ، وجولاته في قرى مصر وخطبه في مساجدها ، ورسائله إلى أهل الشام بالصبر والوعد بالنجدة مشهورة معلومة ، وخاصة خطبته الشهيرة قبيل بدء معركة «عين جالوت» سنة 658 هـ ، وقد ذكر كل هذه التفاصيل جُلُّ من ترجم له ، وذكر حوادث تلك الحقبة ، كابن كثير في تاريخه ، وكذا الذهبي ، وابن رجب ، وابن عبد الهادي ، وغيرهم من العلماء الأفذاذ الذين عاشوا تلك الأحداث بأنفسهم ، وسطروا ما رأوه بأم أعينهم . وهؤلاء المنتجون للمسلسل اعتمدوا كثيراً على تاريخ ابن كثير ، فلِمَ أخفوا هذا الدور الإيماني للعلماء ، وجعلوا المسألة عسكرية سياسية بحتة ؟ هذا يؤكد سياسة الانتقاء غير الشريف .
2 – التضخيم الشديد للخلاف الحاصل بين المظفر قطز ، والظاهر بيبرس ، فقد زادوا في ذلك على ما ورد في المصادر التاريخية المعتمدة – لدواعي فنية كما يقولون – ، والمتابع للحلقات التي تحكي هذا الخلاف الذي أدى لمقتل قطز يخيل إليه وكأن كلاً من القائدين حريص على العرش ، استغلالي ، حقود ، متربص بالآخر الدوائر ، وهذا إضافة إلى المبالغة منهم فيه ينافي الغرض من المسلسل أساساً ، وهو إبراز براعة هذين القائدين وجهادهما العظيم ضد التتر والصليبيين معاً .
3 – من أخطر ما في المسلسل ، ومثله مسلسل «ابن قزمان» الذي عرض رمضان الماضي 1429 هـ ، ويحكي حالة الضعف للدولة الأموية في الأندلس ، وعهد ملوك الطوائف بعد سقوطها (أواخر القرن الرابع مع القرن الخامس الهجريين) هو : تصويرهم النساء في ذلك الزمن وهن كاشفات لوجوههن «السفور» ، ويختلطن بالرجال ، سواء كانوا من الساسة ، أو في الشارع مع العامة في الأسواق والبيوت ، فكأنهم يريدون إيصال رسالة للمشاهد العربي والمسلم مفادها : أن كشف المرأة لوجهها واختلاطها بالرجال كان معلوماً منذ القرون الأولى للأمة الإسلامية ، وليس حادثاً ، وعلماء ذلك الزمن لم ينكروه البتة ، بل تجاوز الأمر خاصة في مسلسل «ابن قزمان» إلى إظهار النساء بكل أنواع الزينة أمام الرجال ، باعتبار أن الأندلس كانت تشهد حينذاك ترفاً في العيش ورغداً وتطوراً حضارياً كبيراً ، وهذا في الحقيقة تلبيس على الناس بشكل منقطع النظير ، لا يدركه إلا خواص المتخصصين ، فالسفور «كشف الوجه» لم يظهر علناً في الشعوب الإسلامية إلا في القرن الهجري المنصرم ، وبالتحديد في عام 1338 هـ / 20 مارس 1919 م بالقاهرة ، في مظاهرة قام بها عدد من النساء تقودهن «هدى هانم شعراوي» ، وقبل ذلك لم يعهد في الإسلام كشف المرأة لوجهها أمام الرجال الأجانب البتة .
قهؤلاء المنتجون للمسلسل أرادوا التلبيس على الناس ، ومن ثم الرد على من يرى وجوب ستر المرأة لوجهها أمام الرجال من غير محارمها ، وهم بهذا يحاكمون الأقدمين بأثر رجعي لم يأت إلا بعد زمنهم بقرون طويلة ، والواجب على المؤرخ والممثل أن ينتقل بروحه وعمله وهِنْدَامِهِ إلى الزمن الذي يكتب أو يمثل عنه ، لا أن يأتي بأهل ذاك الزمن إلى عصره هو ، «فالمؤرخ رجل يسير إلى الوراء» .
4 – الألبسة التي تلبسها النساء في المسلسل ، وخاصة مسلسل «ابن قزمان» ، وكذا بعض الرجال العظماء واضح للمشاهد أنها من الأشكال الحديثة ، ولا يتصور أن تكون موجودة ذلك الزمن !! .
((4)) مسلسل أبي جعفر المنصور (136 – 158 هـ) ، وعرض رمضان الماضي 1429 هـ :
1- قام بتمثيل بعض الأدوار ممثلون نصارى .
2 – من أخطائه الشهيرة في الإخراج الفني : أنه استعملت فيه أدوات معاصرة لا تناسب ذلك الزمن في القرن الثاني الهجري ، فمثلاً : وضعوا في مجلس الخليفة «كنباً كلاسيكياً حديثاً» ، ووضعوا ستائر حمراء حديثة مطرزة الجوانب ، ذات معلق مذهب في كل جانب مثبت على الجدار ، وكذا شكل لحى بعض الممثلين ، فوضعوا لأبي جعفر المنصور «قُفْلاً كبيراً» ، ولأبي مسلم الخراساني «سكسوكة» ، والبعض من حاشية الخليفة له «خنجر» ، بل وصل الأمر إلى أن نسي أحد الممثلين فأبقى ساعته في يده ودخل في دوره التمثيلي ، لتظهر الساعة في المسلسل بشكل ملفت ، وكأنها من مخترعات القرن الثاني الهجري ، مع أنها لم تعرف إلا في القرن المنصرم ، بل قام المصور بتكبير صورتها !! .
وغير ذلك من المآخذ الجمة على هذه المسلسلات التاريخية ، تركت الكثير منها منعاً للإطالة .
وإني إذ أذكر هذه المآخذ هنا لا أنفي في الوقت نفسه أن لهذه المسلسلات دوراً كبيراً في تعريف الأجيال بأسلافهم العظماء ، وتقريبها لتلك الأحداث ، وتقديمها للجمهور في قالب مغرٍ يشد الانتباه ، إلا أني أحذر من الأهداف المسمومة من ورائها ، فليس كل ما فيها بِعُجَرِهِ وبُجَرِهِ يصدق ويوثق به ، بل وراء الأكمة ما وراءها ، وهذا غيض من فيض ، وما خفي أعظم ، وأخيراً أعود لأقول : إن ذكر هذه المساوئ والمعايب لتلك الشخصيات الكبيرة ، وإن كانت نسبته ضئيلة في حجم المسلسل عموماً إلا أن أثرها خطير وكبير ؛ إذ هي التي تعلق في الذهن غالباً لأمدٍ طويل ، وتبنى عليها التصورات والنظرات ، فيجب الحذر منها ، خاصة ما يتعلق منها بجناب الصحابة وعلماء الأمة .
هذا ما تيسر إعداده وتهيا إيراده ، وهو جهد المقل ، وعذراً على الإطالة . ولكم تحياتي .
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين .
بقلم الدكتور / عادل بن عبدالعزيز بن علي بن راشد
اقرا مزيدصور حفل زفاف الدكتور طارق بن زيد بن محمد بن ابراهيم
احتفل الدكتور زيد بن محمد بن ابراهيم مدير ادارة تعليم الخرج سابقا بزواج ابنة الدكتور طارق
وقد حضر الحفل عدد من وجهاء مدينة الخرج وأبناء العمومة
ادناة تجدون صور الحفل عبر الرابط كما ستجدون الصور في البوم المناسبات
اقرا مزيد
اضافه صور حفل زفاف عبدالرحمن بن عبدالعزيز بن محمد بن راشد
ابناء العمومة الكرام
قمنا مؤخرا بإضافه البوم صور جديد في مكتبة الوسائط ضمن البوم المناسبات وهو خاص بحفل زفاف عبدالرحمن بن عبدالعزيز بن محمد بن راشد
بارك الله له وبارك عليه وجمع بينهم في خير
وألف الف مبروك
اقرا مزيد
تم نشر عدد من صور الزفاف لأبناء العمومة
تم نشر عدد من الألبومات التي تخص زواجات أبناء العمومه وجاري العمل على نشر ما تبقى منها
كما نرجو ممن لديهم صور زفاف حتى لو كانت قديمه التواصل معنا وارسالها لنا لكي يتم نشرها على الموقع
اقرا مزيدبارك الله لهم وبارك عليهم وجمع بينهم في خير
تم نشر صور ملتقى عيد الفطر المبارك للعام 1437هـ
زوارنا الكرام تم اضافه صور ملتقى عيد الفطر المبارك للأسره لهذا العام 1437هـ وستجدونه في مكتبة الوسائط تحت مكتبة الملتقيات او بالضغط على الرابط ادناة
اقرا مزيدالسؤال الثلاثون
السؤال الثلاثون هو:
كم مرة ورد ذكر مصر في القرآن الكريم ؟
- 3
- 4
- 5
- 7
الاجابة صحيحة: 4
الفائز عبير راشد عبدالله راشد
اقرا مزيدالسؤال التاسع والعشرون
السؤال التاسع والعشرون هو:
ماهي السورة التي تشفع لمن قرأها ؟
- الصمد
- الملك
- البقرة
- ال عمران
الاجابة صحيحة: الملك
الفائز هيا سعد محمد ابراهيم راشد
اقرا مزيدالسؤال الثامن والعشرون
السؤال الثامن والعشرون هو:
ماهي السورة التي اول عشر آيات منها تعصم الإنسان من الدجال ؟
- الشمس
- الضحى
- النازعات
- الكهف
الاجابة صحيحة: الكهف
الفائز هيله محمد راشد عبدالله راشد
اقرا مزيدالسؤال السابع والعشرون
السؤال السابع والعشرون هو:
ماهي السورة التي تسمى عروس القرآن ؟
- آل عمران
- الواقعة
- الرحمن
- الفاتحة
الاجابة صحيحة: الرحمن
الفائز حصه عبدالعزيز ابراهيم راشد محمد
اقرا مزيدالسؤال السادس والعشرون
السؤال السادس والعشرون هو:
سورة من القرآن تسمى سورة التوديع هي ؟
- سورة الغاشية
- سورة النصر
- سورة الجاثية
- سورة النبأ